للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

النُّبوَّة، مع ما فيه من تعديد النِّعم وتعظيم المنَّة في الحالين، أو احتُرِز به ممَّن أُرسِل من غير نُبوَّةٍ كجبريل وغيره من الملائكة لأنَّهم رسلٌ لا أنبياء، فلعلَّه أراد تخليص الكلام من اللَّبس، أو لأنَّ لفظ: «النَّبيِّ» أمدحُ من لفظ «الرَّسول» لأنَّه مشتركٌ في الإطلاق على كلِّ من أُرسِل بخلاف لفظ: «النَّبيِّ» فإنَّه لا اشتراك فيه عرفًا، وعلى هذا: فقول من قال: كلُّ رسولٍ نبيٌّ من غير (١) عكسٍ، لا يصِحُّ إطلاقه، قاله الحافظ ابن حجرٍ، يعني: فيُقيَّد بالرَّسول البشريِّ، وتعقَّبه العينيُّ فقال: كيف يكون أمدحَ وهو لا يستلزم الرِّسالة؟! بل لفظ «الرَّسول» أمدحُ لأنَّه يستلزم النُّبوَّة. انتهى. وهو مردودٌ فإنَّ المعنى يختلف، فإنَّه لا يلزم من الرِّسالة النُّبوَّة ولا عكسه، ولا خلاف في المنع إذا اختلف المعنى، وهنا كذلك، أو أنَّ الأذكار توقيفيَّةٌ في تعيين اللَّفظ وتقدير الثَّواب (٢)، فربَّما كان في اللَّفظ سرٌّ ليس في الآخر، ولو كان يرادفه في الظَّاهر، أو لعلَّه أُوحِي إليه بهذا اللَّفظ، فرأى أن يقف عنده، وقال المُهلَّب: إنَّما لم تُبدَّل (٣) ألفاظه لأنَّها ينابيع الحِكَم (٤) وجوامع الكلم، فلو غُيِّرت سقطت فائدة النِّهاية في البلاغة التي أُعْطِيها . انتهى. وقد (٥) تعلَّق بهذا مَنْ منعَ الرِّواية بالمعنى كابن سيرين، وكذا أبو العبَّاس النَّحويُّ قال: إذ ما من كلمتين متناظرتين إلَّا وبينهما فرقٌ، وإن دقَّ ولَطُفَ نحو: «بلى» «ونعم». انتهى. ولا حجَّة فيه لمنِ استدلَّ به على عدم جواز إبدال لفظ «النَّبيِّ» في الرِّواية بـ «الرَّسول» وعكسه لأنَّ الذَّات المُخبَر عنها في الرِّواية واحدةٌ، وبأيِّ وَصْفٍ وُصِفت به تلك الذَّاتُ من أوصافها اللَّائقة بها عُلِم القصد بالمُخبَر عنه ولو تباينت معاني الصِّفات، كما لو أبدل اسمًا بكنيةٍ أو كنيةً باسمٍ، فلا فرقَ بين أن يقول الرَّاوي مثلًا: عن أبي عبد الله البخاريِّ أو عن محمَّد بن إسماعيلَ البخاريِّ، وهذا بخلاف ما في حديث الباب لأنَّ ألفاظ الأذكار توقيفيَّةٌ، فلا يدخلها القياس، ويُستفَاد من هذا الحديث: أنَّ الدُّعاءَ عند النَّوم مرغوبٌ فيه لأنَّه قد تُقبَض


(١) في (م): «ولا».
(٢) «وتقدير الثَّواب»: سقط من (د).
(٣) في (م): «يبدل».
(٤) في (م): «الحكمة».
(٥) في (م): «لقد».

<<  <  ج: ص:  >  >>