للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الكسر على خلاف الظَّاهر، ولا يجوزُ العدول عنه إلَّا لمانعٍ، ولو جازَ من غير أن يثبتَ به النَّقل لجازَ في مثل قولهِ تعالى: ﴿أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ﴾ [المؤمنون: ٣٥] وقد اتَّفق القرَّاء على أنَّها بالفتحِ، لكن تعقَّبه الخُوَيِّي (١) بأنَّ الرِّواية جاءت بالفتح والكسر فلا معنى للردِّ. قال: ولو لم تجئْ به الرِّواية لَمَا امتنعَ جوازًا على طريق الرِّواية بالمعنى. وأجاب عن الآيةِ بأنَّ الوعد مضمونُ الجملةِ وليس بخصوصِ لفظها، فلذلك اتَّفقوا على الفتحِ، وأمَّا هنا فالتَّحديث يجوز أن يكون بلفظه وبمعناه. انتهى. من «فتح الباري». وهذا مبنيٌّ على حذف «قال» وعلى تقدير حذفها في الرِّواية فهي مقدَّرة؛ إذ لا يتمُّ المعنى بدونها، ولأبي ذرٍّ عن الكُشمِيهنيِّ: «إنَّ خَلْق أحدِكُم» أي: ما يخلق منه أحدكم (يُجْمَعُ) بضم أوَّله وسكون الجيم وفتح الميم، أي: يحرز (فِي بَطْنِ أُمِّهِ). قال في «النهاية»: ويجوزُ أن يريدَ بالجمعِ مُكْث النُّطفة في الرَّحم، أي: تمكثُ النُّطفة في الرَّحم (أَرْبَعِينَ يَوْمًا) تتخمَّر فيها حتَّى تتهيَّأ للخلق.

وقال القرطبيُّ أبو العباس في «المُفهم» (٢): المراد: أنَّ المنيَّ يقعُ في الرَّحم حين انزعاجهِ بالقوَّة الشَّهوانيَّة الدَّافعة مبثوثًا متفرِّقًا فيجمعه في محلِّ الولادةِ من الرَّحم. وفي رواية آدم في «التَّوحيد» [خ¦٧٤٥٤] «إنَّ خَلْق أحدِكُم يجمعُ في بطنِ أمِّه أربعين يومًا -أو: أربعين ليلة-» بالشَّكِّ، وزاد أبو عَوَانة من رواية وهب بن جريرٍ عن شعبة: «نطفة» بين قولهِ: «أحدكم» وبين قولهِ: «أربعين» فبيَّن أنَّ الَّذي يجمعُ هو النُّطفةُ والنُّطفة المنيُّ، فإذا لاقى منيُّ الرَّجل منيَّ المرأة بالجماعِ وأرادَ الله تعالى أن يخلق من ذلك جنينًا هيَّأ أسباب ذلك؛ لأنَّ في رحم المرأةِ قوَّة انبساط عند منيِّ الرَّجل حتى ينتشرَ في جسدها، وقوَّة انقباضٍ بحيث لا يسيلُ من فرجها مع كونهِ منكوسًا ومع كون المنيِّ ثقيلًا بطبعهِ، وفي منيِّ الرَّجل قوَّة الفعل، وفي منيِّ المرأة قوَّة الانفعالِ، فعند الامتزاجِ يصير منيُّ الرَّجل كالأَنْفَحة للَّبنِ. وأخرج ابنُ أبي حاتم في «تفسيره» من رواية الأعمشِ، عن خيثمةَ بن عبد الرَّحمن، عن ابنِ مسعود: أنَّ النُّطفة إذا وقعتْ في الرَّحم فأراد الله أن يخلق منها بشرًا طارتْ في جسد المرأةِ تحت كلِّ ظُفْر وشعرٍ، ثمَّ تمكثُ أربعين يومًا، ثمَّ تنزل دمًا في الرَّحم. قال في «شرح المشكاة»: والصَّحابة أعلمُ النَّاس بتفسيرِ


(١) في (د): «الجوني».
(٢) «في المفهم»: ليست في (د).

<<  <  ج: ص:  >  >>