للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

(ثَلَاثًا) والملفوظُ به هنا ثنتان، أي: غلبه بالحجَّة بأن ألزمَه أنَّ ما صدرَ عنه لم يكنْ هو مستقلًّا به متمكِّنًا من تركهِ، بل كان قدرًا من الله تعالى لا بدَّ من إمضائهِ، والجملةُ مقرِّرة لِمَا سبقَ، وتأكيدٌ له وتثبيتٌ للأنفس على توطين هذا الاعتقاد، أي: أنَّ الله أثبتَه في أمِّ الكتاب قبلَ كوني، وحَكَمَ بأنَّه كائنٌ لا محالةَ، فكيف تغفلُ عن العلم السَّابق، وتذكرُ الكسبَ الَّذي هو السَّبب، وتَنسى الأصل الَّذي هو القدر، وأنت من المصطَفينَ الأخيار الَّذين يشاهدون سرَّ الله تعالى من وراءِ الأستارِ، وهذه المحاجَّة لم تكن في عالمِ الأسباب الَّذي لا يجوزُ فيه قطعُ النَّظر عن الوسائطِ والاكتساب، وإنَّما كانت في العالمِ العلويِّ عند مُلتقى الأرواحِ، واللَّوم إنَّما يتوجَّه على المكلَّف ما دامَ في دارِ التَّكليف، أمَّا بعدَها فأمرُه إلى الله تعالى لاسيَّما وقد وقع ذلك بعد أنْ تابَ الله عليه، فلذا عدل إلى (١) الاحتجاجِ بالقدرِ السَّابق، فالتَّائب لا يُلام على ما تيبَ عليه منه، ولاسيَّما إذا انتقلَ عن دار التَّكليف.

واختلفَ في وقت هذه المحاجَّة، فقيل: يحتمل أنَّه في زمان مُوسى فأحيا الله له آدمَ معجزةً له فكلَّمه، أو كشفَ له عن قبرهِ فتحدَّثا (٢)، أو أراهُ الله روحَه كما أُري النَّبيُّ ليلةَ المعراج أرواحَ الأنبياء، أو أراهُ الله له في المنامِ ورؤيا الأنبياءِ وحيٌ، أو كان ذلك بعدَ وفاةِ موسى فالتقيا في البرزخِ أوَّل ما ماتَ موسى فالتقتْ أرواحهمَا في السَّماء، وبذلك جزمَ ابنُ عبد البرِّ والقابسيُّ (٣)، أو أنَّ ذلك لم يقعْ بَعْدُ وإنَّما يقعُ في الآخرة، والتَّعبير عنه في الحديثِ بلفظ الماضي؛ لتحقُّق وقوعهِ.

والحديث أخرجه مسلمٌ في «القدر» أيضًا، وأبو داود في «السُّنَّة»، والنَّسائيُّ في «التَّفسير»، وابن ماجه في «السُّنَّة» أيضًا.

(قَالَ سُفْيَانُ) بن عُيينة، ولأبي الوقت: «وقال سفيان» بواو العطف على قولهِ: «حفظناه من عَمرو» فهو موصولٌ (حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ) عبدُ الله بن ذَكوان (عَنِ الأَعْرَجِ) عبد الرَّحمن بن هُرمز (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) (عَنِ النَّبِيِّ ، مِثْلَهُ) أي: مثل الحديث السَّابق.


(١) في (ع): «عول على».
(٢) في (د): «فتحدث».
(٣) في (د): «والسفاقسي». والمثبت موافق للفتح والعمدة.

<<  <  ج: ص:  >  >>