للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقال ابنُ المُنَيِّر: وهذا من جوامعِ الكلمِ وبدائعهِ، ووجهه: أنَّه إنَّما تحرَّجوا من الحنثِ والحلف بعدَ الوعد المؤكَّد باليمين، وكان القياسُ يقتضِي أن يقالَ: لجاجُ أحدِكُم (١) آثمُ له من الحنثِ، ولكن النَّبيَّ عدلَ عن ذلكِ إلى ما هو لازم الحنثِ وهو الكفَّارة؛ لأنَّ المقابلة بينها وبين اللَّجاج أفحمُ للخصمِ وأدلُّ على (٢) سوء نظرِ المتنطِّع الَّذي اعتقد أنَّه تحرَّج من الإثمِ، وإنَّما تحرَّج من الطَّاعة والصَّدقة والإحسان، وكلّها تجتمعُ في الكفَّارة، ولهذا عظَّم شأنها بقولهِ: «الَّتي افترضَ اللهُ عليه»، وإذا صحَّ أنَّ الكفَّارة خيرٌ له ومِن لوازمِها الحنث صحَّ أنَّ الحنث خيرٌ له (٣)، و «لأنْ يلجَّ أحدُكم بيمينِهِ في أهلِهِ» أي: لأن يصمِّم (٤) أحدكم في قطيعةِ أهله ورحمهِ بسبب يمينهِ الَّتي حلفَها على تركِ برِّهم آثمُ عند الله مِن كذا. انتهى.

وفي هذا الحديث (٥): أنَّ الحنْثَ في اليمينِ أفضلُ من التَّمادي إذا كانَ في الحنثِ مصلحة، ويختلفُ باختلافِ حُكم المحلوفِ عليه، فإن حلفَ على ارتكابِ معصيةٍ كترك واجبٍ عينيٍّ، وفعلِ حرامٍ، عصى بحلفهِ ولزمه حنثٌ وكفَّارة إذا لم يكن له طريقٌ سواه، وإلَّا فلا، كما لو حلفَ لا ينفق على زوجتهِ، فإنَّ (٦) له طريقًا بأنْ يُعطيها من صداقها أو يُقرضها ثمَّ يبرئها؛ لأنَّ الغرض حاصلٌ مع بقاءِ التَّعظيم، وإن (٧) حلفَ على تركِ مباحٍ أو فعلهِ كدخولِ دارٍ وأكلِ طعامٍ (٨) ولبس ثوبٍ، سُنَّ تركُ حنثهِ لِمَا فيه من تعظيمِ اسم الله. نعم إنْ تعلَّق بتركه أو فعلهِ غرض دينيّ كأن حلفَ أن لا يمسَّ (٩) طِيْبًا، ولا يلبس ناعمًا، فقيل: يمين مكروهةٌ (١٠)، وقيل:


(١) في (ص): «أحدهم».
(٢) في (د): «عن».
(٣) في (د) زيادة: «من التصميم».
(٤) في (د) و (ص): «في أهله خير له من أن يصمّم».
(٥) في (د): «وفي الحديث».
(٦) في (ص) زيادة: «كان».
(٧) في (د) و (ص) و (ع): «أو».
(٨) في (ص): «حرام».
(٩) في (ص): «يأكل».
(١٠) في (د): «مكروه».

<<  <  ج: ص:  >  >>