للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

لكذا، أي: مُعَرَّض. قال كعب:

مِنْ كُلِّ نَضَّاخَةِ الذِّفْرَى إِذَا عَرِقَتْ … عُرْضَتُهَا طَامِسُ الأَعْلَامِ مَجْهُولُ

وقال حسَّان:

هُمُ الأَنْصَارُ عُرْضَتُهَا اللِّقَاءُ

وهما بمعنى مُعْرَّضٌ لكذا، أو اسمٌ لِمَا تَعْرِضُه على الشَّيء، فيكون مِنْ عَرَض العودَ على الإناءِ، فيعترضُ دونَه ويصيرُ حاجزًا ومانعًا، والمعنى على هذا النَّهي أن يحلفُوا بالله على أنَّهم لا يبرُّون ولا يتَّقون، ويقولون: لا نقدرُ نفعلُ ذلك لأجلِ حلفنَا، أو من العرضَةِ وهي القوَّة والشِّدَّة، يقال: جملٌ عُرْضة للسَّفَر، أي: قويٌّ عليه. وقال الزُّبير:

فَهَذِي لأَيَّامِ الحُرُوبِ وَهَذِهِ (١) … لِلَهْوِي وَهَذِي عُرْضَةٌ لارْتِحَالِنَا

أي: قوَّةٌ وعُدَّةٌ، أي: لا تجعلُوا اليمين بالله قوَّةً لأنفسِكُم في الامتناعِ من البرِّ، وقولهِ: (﴿أَن تَبَرُّواْ وَتَتَّقُواْ وَتُصْلِحُواْ بَيْنَ النَّاسِ﴾) عطفُ بيانٍ ﴿لِّأَيْمَانِكُمْ﴾ أي: للأمورِ المحلوفِ عليها الَّتي هي البرُّ والتَّقوى والإصلاحُ بين النَّاس، واللَّام تتعلَّق بالفعلِ، أي: ولا تجعلوا الله لأيمانِكُم (٢) برزخًا، ويجوزُ أن تكون اللَّام تعليليَّة ويتعلَّق ﴿تَبَرُّواْ﴾ بالفعلِ أو بالعُرْضة، أي: ولا تجعلُوا الله لأجلِ أيمانِكُم عُرْضة لأنَّ تبرُّوا، وفي ذلكَ نهيٌّ عن الجَرَاءة على اللهِ بكثرةِ الحلفِ به، وذلك لأنَّه (٣) مِن أكثرَ ذكرَ شيءٍ في معنًى مِن المعَاني، فقد جعلَه عُرْضة له، يقولُ الرَّجل: قد جعلتَنِي عُرْضة للومِكَ. قال الشَّاعر:

وَلَا تَجْعَلِيْنِي عُرْضَةً لِلَّوَائِمِ

وقد ذمَّ الله من أكثر الحلف بقولهِ: ﴿وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ﴾ [القلم: ١٠] وقال تعالى: ﴿وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ﴾ [المائدة: ٨٩] وكان الخَلَفُ يُمدَحون بالإقلالِ من الحلف، والحكمةُ في الأمرِ بتقليل الأيمانِ: أنَّ من حلفَ في كلِّ قليلٍ وكثيرٍ بالله انطلقَ لسانه بذلكَ ولا يبقى لليمين في


(١) في (د): «وهذي».
(٢) في (د): «عرضة لأيمانكم».
(٣) في (د): «لأن».

<<  <  ج: ص:  >  >>