للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بطَّال: لأنَّه حلف حين لم يملكْ ظهرًا يحملهم عليه، فلمَّا طرأ المُلْك حملَهم، قال ابنُ المُنَيِّر: وفَهِم ابنُ بطَّال عن البخاريِّ أنَّه نحا جهةَ (١) تعليقِ الطَّلاق قبل ملك العصمةِ أو الحريَّة قبل ملك الرَّقبة، والظَّاهر من قصد البخاريِّ غير هذا وهو أنَّ النَّبيَّ حلفَ أن لا يحملَهم، فلمَّا حملَهم وراجعُوه في يمينه قال: «ما أنا حملتُكُم ولكنَّ الله حملَكُم» فبيَّن أنَّ يمينه إنَّما انعقدتْ فيما يملكُه، فلو حملَهم على ما يملكُه لحنثَ وكفَّر، ولكنَّه حملَهم على ما لا يملكُ ملكًا خاصًّا وهو مالُ الله، وبهذا لا يكون قد حنثُ في يمينهِ.

وأمَّا قوله عقيب (٢) ذلك: «لا أحلفُ على يمينٍ فأرى غيرَها خيرًا منها» فتأسيسُ قاعدةٍ مبتدأةٍ كأنَّه يقول: ولو كنتُ حلفتُ، ثمَّ رأيتُ تَرْكَ ما حلفتُ عليه خيرًا منه لأحنثتُ نفسي، وكفَّرت عن يمينِي. قال: وهم إنَّما سألوه ظنًّا أنَّه يملك حملانًا، فحلفَ لا يحملهم على شيءٍ يملكه؛ لكونه حينئذٍ لا يملك شيئًا من ذلك. قال: ولا خلافَ أنَّ من حلف على شيءٍ وليس في ملكه أنَّه لا يفعل فعلًا معلَّقًا بذلك الشَّيء مثل قولهِ: والله لئن ركبتُ هذا البعير لأفعلنَّ كذا، لبعيرٍ لا يملكُه، فلو ملكَه وركبه حنثٌ، وليس هذا من تعليقِ اليمين على الملك، ولو قال: والله لا وهبتُك هذا الطَّعام، وهو لغيره، فملَكَه فوهبهُ له فإنَّه يحنث، ولا يجرِي فيه الخلافُ الَّذي جرى في تعليقِ الطَّلاق على الملكِ، وإن كان ظاهر ترجمة البخاريِّ: أنَّ من حلف على ما لا يملكُ مطلقًا نوى أو لم ينوِ، ثمَّ ملكَه لم يلزمْه اليمين. انتهى.

قال في «فتح الباري»: وليس ما قاله ابنُ بطَّال ببعيدٍ بل هو أظهرُ، أي: ممَّا قاله ابن المُنَيِّر، وذلك أنَّ الصَّحابة الَّذين سألوا (٣) الحُمْلان فهموا أنَّه حلفَ، وأنَّه فعل خلافَ ما حلفَ أنَّه لا يفعله، فلذلك لمَّا أمر لهم بالحُمْلان بَعْدُ (٤) قالوا: تغفَّلْنَا رسولَ الله يمينه، وظنُّوا أنَّه نسِي حلفه الماضي، فأجابهُ بأنَّه لم ينسَ ولكنَّ الَّذي فعله خيرٌ ممَّا حلف عليه، وأنَّه إذا حلف فرأى خيرًا من يمينه فعل الَّذي حلف أن لا يفعلَه وكفَّر عن يمينهِ، والله الموفِّق.


(١) في (ب) و (س): «لجهة».
(٢) في (ب) و (س): «عقب».
(٣) في (ع) و (د): «سألوه».
(٤) في (ع): «بعدما».

<<  <  ج: ص:  >  >>