للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

جزمًا لا لغوَ فيها، ثمَّ يظهرُ لي أمرٌ آخر يكون فعله خيرًا من المضيِّ في اليمين المذكورة (١) (إِلَّا أَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَتَحَلَّلْتُهَا) أي: كفَّرتها.

واختُلِف هل كفَّرَ عن يمينهِ المذكورة، كما اختُلِف هل كفَّرَ في قصَّةِ حلفهِ على شربِ العسل، أو على غشيان ماريةَ، فعن الحسن البصريِّ أنَّه لم يكفِّر أصلًا؛ لأنَّه مغفورٌ له، وإنَّما نزلت كفَّارة اليمين تعليمًا للأمَّة، وتعقِّب بحديث التِّرمذيِّ عن عمر في قصَّةِ حلفهِ على العسلِ أو ماريةَ: «فعاتبهُ اللهُ وجعلَ له كفَّارة يمينٍ» وهذا ظاهرٌ في أنَّه كفَّرَ، وإن كان ليس نصًّا في ردِّ ما ادَّعاه الحسن، ودعوى أنَّ ذلك كلَّه تشريعٌ بعيدٌ (٢)، وفي «تفسير القرطبي» عن زيد بن أسلم: أنَّه كفَّر بعتق رقبةٍ. وعن مقاتل: أنَّه أعتق رقبةً (٣) في تحريم ماريةَ، وقد اختلف لفظ الحديث فقدَّم لفظ الكفَّارة مرَّةً وأخَّرها أُخرى لكن بحرف الواو الَّذي لا يوجب ترتيبًا، نعم ورد في بعض الطُّرق بلفظ «ثمَّ» الَّتي تقتضِي التَّرتيب عند أبي داود والنَّسائيِّ في حديث الباب، ولفظ أبي داود من طريق سعيدِ بن أبي عَرُوبة، عن قتادةَ، عن الحسن: «فكفِّر عن يمينكَ، ثمَّ ائتِ الَّذي هو خير»، وفي حديث عائشة عند الحاكم بلفظ «ثمَّ» وفي حديث أمِّ سلمة عند الطَّبرانيِّ نحوه، ولفظه: «فليكفِّرْ عن يمينهِ، ثمَّ ليفعلْ الَّذي هو خير».

وإذا عُلِم هذا فليعلمْ أنَّ للكفَّارة ثلاث حالاتٍ: إحداها: قبل الحلفِ فلا يجزئُ (٤) اتِّفاقًا، ثانيها (٥): بعد الحلف والحنثِ فيُجزئ اتِّفاقًا، ثالثها (٦): بعد الحلفِ وقبل الحنثِ، فاختلفَ فيها فقال مالكٌ وسائرُ فقهاء الأمصار إلَّا أبا حنيفةَ: تجزئُ قبله، لكن استثنى الشَّافعيُّ الصِّيام فقال: لا يجزئ إلَّا بعد الحنث؛ لأنَّ الصِّيام من حقوقِ الأبدان، ولا يجوزُ تقديمُها قبل وقتها كالصَّلاة بخلاف العتقِ والكسوةِ والإطعام، فإنَّها من حقوقِ الأموال فيجوز تقديمُها (٧) كالزَّكاة، واحتُجَّ للحنفيَّة بأنَّها لمَّا لم تجبْ صارت كالتَّطوُّع، والتَّطوُّع لا يجزئ عن الواجب، وبقوله


(١) في غير (ع) و (د): «المذكور».
(٢) في (ب) و (س): «بعيدة».
(٣) «وعن مقاتل أنه أعتق رقبة»: ليست في (د).
(٤) في (ع): «مجزئ»، وفي (ب): «تجزئ».
(٥) في (ب) و (س): «ثانيتها».
(٦) في (ب) و (س): «ثالثتها».
(٧) «فيجوز تقديمها»: ليست في (د).

<<  <  ج: ص:  >  >>