للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ) فلا يحدُّونه (١) (وَإِذَا سَرَقَ الضَّعِيفُ فِيهِمْ أَقَامُوا عَلَيْهِ الحَدَّ). قال ابنُ دقيق العيد: الظَّاهر أنَّ هذا الحصرَ ليس عامًّا، فإنَّ بني إسرائيل كانتْ فيهم أمورٌ كثيرةٌ تقتضِي الإهلاكَ، فيُحمَلُ ذلك على حصرٍ مخصوصٍ، وهو الإهلاكُ بسببِ المحاباةِ في الحدودِ، فلا ينحصرُ في حدِّ السَّرقة (وَايْمُ اللهِ) مرفوعٌ بالابتداء وخبره محذوفٌ، أي: قسمِي، أو يميني، أو لازمٌ لي (لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ) (بِنْتَ مُحَمَّدٍ) (سَرَقَتْ لَقَطَعَ مُحَمَّدٌ يَدَهَا).

وعند ابن ماجَه عن محمَّد بن رُمح شيخه في هذا الحديث: سمعتُ اللَّيث يقول عقبَ هذا الحديث: «قد أعاذهَا اللهُ من أن تسرقَ» وكلُّ مسلمٍ ينبغِي له أن يقولَ مثل هذا، فينبغِي أن لا يذكرَ هذا الحديثَ في الاستدلالِ ونحوه إلَّا بهذه الزِّيادة، ووقعَ للشَّافعيِّ رحمةُ الله عليه أنَّه لمَّا ذكر هذا الحديث، قال: فذكَر عضوًا شريفًا من امرأةٍ شريفةٍ، واستحسنُوا (٢) ذلكَ منه لِمَا فيهِ من الأدبِ البالغِ، وفي قولهِ: «لقطعَ محمَّد يدها» التَّجريد، وإنَّما خصَّ فاطمةَ بالذِّكر؛ لأنَّها أعزُّ أهله عندهُ، فأرادَ المبالغةَ في تثبيتِ إقامة الحدِّ على كلِّ مكلَّفٍ، وتركِ المحاباةِ في ذلك، ولأنَّ اسمَ السَّارقةِ وافقَ اسمَها ، فناسبَ أن يضربَ المثل بها.

وزاد في روايةِ يونس السَّابقة في «غزوةِ الفتح» [خ¦٤٣٠٤] ثمَّ أمرَ بتلكَ المرأة الَّتي سرقتْ فقُطعت يدَها. وفي حديثِ ابنِ عمر عند النَّسائيِّ: «قُم يا بلالُ فخُذْ بيدِها فاقطعْها»، وزادَ (٣) أبو داود في تعليقهِ عن محمَّد بنِ عبدِ الرحمن: «فشهِد عليهَا»، وزاد يونس [خ¦٤٣٠٤] أيضًا. «قالتْ عائشةُ: فحسُنَت توبتها بعدُ وتزوَّجت».

وفي الحديثِ: منعُ الشَّفاعة في الحدودِ وهو مقيَّدٌ في التَّرجمة بما إذا رُفِعَ إلى السُّلطان. وفي مرسلِ حبيبِ بن أبي ثابتٍ أنَّه قال لأسامةَ لمَّا شفعَ: «أتشفعُ في حدٍّ، فإنَّ الحدودَ إذا انتَهت فليسَ لهَا مَتْرَكٌ». وعند الدَّارقطنيِّ من حديث الزُّبير مرفوعًا: «اشفعُوا ما لم يصلْ إلى الوالي، فإذا وصلَ إلى الوالي فعَفا فلا عفَا الله عنه». قال ابنُ عبدِ البرِّ: لا أعلمُ خلافًا أنَّ الشَّفاعة في ذوي الذُّنوب حسنةٌ جميلةٌ ما لم تبلُغْ السُّلطان، وإنَّ على السُّلطان إذا بلغَتْه أن يقيمَها.


(١) في (ع) و (ص) و (د): «يحدّوه».
(٢) في (ب) و (س): «فاستحسنوا».
(٣) تصحف في (ب): «أزد»، وفي (س): «وزد».

<<  <  ج: ص:  >  >>