للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

(وَقَالَ) تعالى: (﴿مَن يَرْتَدَّ﴾) بتشديد الدال بالإدغام تخفيفًا، ولأبي ذرٍّ: «﴿مَن يَرْتَدد﴾» بالإظهار على الأصلِ، وامتنع الإدغام للجزم، وهي قراءة نافع وابن عامر (﴿مِنكُمْ عَن دِينِهِ﴾) من يرجعُ منكم عن دينِ الإسلامِ إلى ما كانَ عليه من الكفرِ (﴿فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ﴾) قيل: هم أهلُ اليمن، وقيل: همْ أهل (١) الفُرس. وقيل: الَّذين جاهدوا يوم القادسيَّة، والرَّاجع من الجزاء إلى الاسم المتضمِّن لمعنى الشَّرط محذوفٌ، أي: فسوفَ يأتي الله بقومٍ مَكانهم، ومحبَّة الله تعالى للعبادِ إرادة الهدى والتَّوفيق لهم في الدُّنيا، وحُسن الثَّواب في الآخرة، ومحبَّةُ العبادِ له إرادة طاعتهِ والتَّحرُّز عن (٢) معاصيه (﴿أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾) عاطفين عليهم متذللِّين لهم، جمع ذليلٍ، واستعمالُه مع «على» إمَّا لتضمين معنى العطف والحنوِّ، أو التَّنبيه على أنَّهم مع علوِّ طبقتِهم وفضلِهم على المؤمنين خافضون لهم (﴿أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾ [المائدة: ٥٤]) أشدَّاء عليهم، فهم على المؤمنين كالولدِ لوالدِه والعبد لسيِّده، ومع الكافرين كالسَّبع على فريستهِ، وسقطَ لأبي ذرٍّ من قولهِ «﴿أَذِلَّةٍ﴾ … » إلى آخر الآية.

(﴿وَلَكِن﴾) ولأبي ذرٍّ: «وقال» أي: الله جلَّ وعلا: «﴿وَلَكِن﴾» (﴿مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا﴾) طابَ به نفسًا واعتقدَه (﴿فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾) إذ لا أعظم من جُرمه (﴿ذَلِكَ﴾) أي: الوعيد، وهو لحوقُ الغضبِ والعذابِ العظيم (﴿بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّواْ﴾) آثروا (﴿الْحَيَاةَ الْدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ﴾) أي: بسببِ إيثارهِم الدُّنيا على الآخرة (﴿وَأَنَّ اللّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾) ما دَاموا مختارين للكفرِ (٣) (﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ﴾) فلا يتدبَّرون ولا يُصغون إلى المواعظِ، ولا يبصرون طريقَ (٤) الرَّشاد (﴿وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ﴾) الكاملون في الغفلة؛ لأنَّ الغفلة عن تدبُّر العواقبِ هي غايةُ الغفلةِ ومُنتهاها (﴿لَا جَرَمَ﴾ يَقُولُ حقًّا ﴿أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمُ الْخَاسِرونَ﴾) إذ ضيَّعوا أعمارَهم وصرفوها فيما أفضَى بهم إلى العذابِ المخلَّد (إِلَى قولهِ: ثمَّ ﴿رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا﴾) من بعد الأفعالِ المذكورة قبلُ، وهي الهجرةُ والجهادُ والصَّبر (﴿لَغَفُورٌ﴾) لهم ما كانَ منهم من التَّكلُّم بكلمةِ


(١) «هم أهل»: ليست في (د) و (ص) و (ع)، و «أهل»: ليست في (س).
(٢) في (ب) و (س): «من».
(٣) في (د): «الكفر».
(٤) في (د): «طرق».

<<  <  ج: ص:  >  >>