للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

النُّبوَّة وإن انقطعتْ فعلمُها باقٍ، وقول مالك لما سُئلَ: أيعبُر الرُّؤيا كلُّ أحدٍ فقال (١): أَبالنُّبوَّة يُلعب (٢)؟! ثمَّ قال: الرُّؤيا جزءٌ من النُّبوَّة فلا يُلعب بالنُّبوَّة. أُجيب عنه بأنَّه لم يُرِدْ أنَّها نبوَّة باقية، وإنَّما أراد أنَّها لما أشبهتِ النُّبوَّة من جهةِ الاطلاع على بعضِ الغيب لا ينبغِي أن يُتَكلَّم فيها بغير علمٍ.

وأمَّا وجه كونها ستَّة وأربعين جزءًا، فأبدَى بعضُهم له (٣) مناسبة، وذلك أنَّ الله تعالى أَوحى إلى نبيِّه في المنامِ ستَّة أشهرٍ، ثمَّ أوحى إليهِ بعد ذلك في اليقظةِ بقيَّة مدَّة حياته، ونسبتها إلى الوحي في المنام جزء من ستَّة وأربعين جزءًا؛ لأنَّه عاش بعد النُّبوَّة ثلاثًا وعشرين سنة على الصَّحيح، فالستَّة الأشهر نصف سنة فهي جزءٌ من ستَّة وأربعين جزءًا من النُّبوَّة. وتعقَّبه (٤) الخطَّابيُّ بأنَّه قاله على سبيلِ الظَّنِّ؛ إذ أنَّه لم يثبتْ في ذلك خبرٌ ولا أثرٌ، ولئن سلَّمنا أنَّ هذه المدَّة محسوبة من أجزاءِ النُّبوَّة لكنَّه يلحقُ بها سائر الأوقات الَّتي كان يوحى إليه فيها منامًا في طولِ المدَّة كما ثبت، كالرُّؤيا (٥) في أُحد ودخول مكَّة، وحينئذٍ فيتلفَّق من ذلك مدَّة أُخرى تزادُ في الحساب، فتبطل القسمة الَّتي ذكرها. وأُجيب بأنَّ المراد: وحيُ المنام المتتابع، فما (٦) وقعَ في غضونِ وحي اليقظةِ فهو يسيرٌ بالنِّسبة إلى وحي اليقظةِ، فهو مغمورٌ في جانبِ وحي اليقظةِ، فلم يعتبر به. انتهى.

وأمَّا حصرُ العددِ في الستَّة والأربعين، فقال المازريُّ: هو ممَّا أطلعَ الله عليه نبيَّه . وقال ابن العربيِّ: أجزاء النُّبوَّة لا يعلم حقيقتها إلَّا نبيٌّ أو ملكٌ، وإنَّما (٧) القدرُ الَّذي أرادَ أن يبيِّنه أنَّ الرُّؤيا جزءٌ من أجزاءِ النُّبوَّة في الجملة؛ لأنَّ فيها اطِّلاعًا على الغيب من وجهٍ ما، وأمَّا تفصيلُ النِّسبة فيختَصُّ بمعرفتهِ (٨) درجة النُّبوَّة. وقال المازريُّ أيضًا: لا يلزم العالم أن يعرفَ كلَّ شيءٍ جملةً وتفصيلًا، فقد جعلَ الله للعالم حدًّا يقفُ عنده، فمنه ما يعلمُ المراد به جملةً وتفصيلًا،


(١) «فقال»: ليست في (ص).
(٢) في (ص): «نلعب»، وفي (س): «تلعب».
(٣) في (ص): «لها».
(٤) في (ع): «تعقب».
(٥) في (ص): «الرؤيا».
(٦) في (ب) و (س): «كما».
(٧) في (ع) زيادة: «أراد».
(٨) في (د) و (ع) و (ب): «بمعرفة».

<<  <  ج: ص:  >  >>