للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

لُبثه (ثُمَّ أَتَانِي الدَّاعِي) من الملكِ يدعوني إليه (لأَجَبْتُهُ) مُسرعًا. وفي هذا من التَّنويه بشرف يوسف وعلوِّ قدرهِ وصبرهِ ما لا يخفَى صلوات الله وسلامه عليه. وعند عبدَ الرَّزَّاق عن عكرمةَ قال: قال رسول الله : «لقد عجبتُ من يوسفَ وصبرهِ وكرمهِ، والله يغفر له حينَ سُئل عن البقراتِ العِجَاف والسِّمان، ولو كنتُ مكانَه ما أجبتُهم حتَّى أشترطَ أن يُخرجوني، ولقد عجبتُ من يوسفَ وصبرهِ وكرمهِ والله يغفرُ له حينَ أتاه الرَّسول، ولو كنتُ مكانَه لبادرتُهم الباب، ولكنَّه أرادَ أن يكونَ له العذْرُ».

وهذا حديثٌ مرسلٌ، فإن قلت: إنَّ نبيَّنا إنَّما ذكر هذا الكلام على جهةِ المدح ليوسفَ ، فما باله (١) هو يذهب بنفسِه عن حالةٍ قد مدحَ بها غيرهُ؟ أُجيب (٢) بأنَّه إنَّما أخذ لنفسهِ الشَّريفة وجهًا آخرَ من الرَّأي له وجهٌ أيضًا من الجودةِ، أي: لو كنتُ أنا لبادرتُ الخروج، ثمَّ حاولتُ بيان عُذْري بعدَ ذلك، وذلك أنَّ هذه القصصَ والنَّوازل إنَّما هي معرَّضةٌ ليقتدي النَّاس بها إلى يومِ القيامة، فأرادَ حمل النَّاس على الأحزمِ من الأمورِ، وذلك أنَّ المتعمِّق (٣) في مثلِ هذه النَّازلة التَّارك فرصةَ الخروجِ من ذلك السِّجن ربَّما ينتجُ (٤) له من ذلك البقاء في سجنه (٥)، وإن كان يوسفُ أمنَ من ذلك بعلمهِ من الله، فغيرُه من النَّاس لا يأمن من (٦) ذلك، فالحالةُ الَّتي ذهبَ إليها نبيُّنا حالة حزمٍ ومدحٍ، وما فعلَه يوسفُ صبرٌ عظيمٌ. وقال بعضهم: خشيَ يوسفُ أن يخرجَ من السِّجن فينال من الملك مرتبةً ويسكت عن أمرِ ذنبهِ صفحًا، فيراهُ النَّاس بتلك المنزلةِ ويقولون: هذا الَّذي راودَ امرأةَ مَولاه، فأرادَ أن يبيِّن براءته ويحقِّق منزلتهُ من العفَّة.

والحديث سبقَ في «التَّفسير» [خ¦٣٣٧٢] و «أحاديث الأنبياء» [خ¦٣٣٨٧] ومطابقةُ التَّرجمة للآياتِ ظاهرةٌ، وكذا الحديث.


(١) في (ع): «فيما قاله».
(٢) في (د): «وأجيب».
(٣) في (ص) و (ع) و (د): «للتعمق».
(٤) في (ع) و (ص): «يفتح».
(٥) في (ص): «محنة».
(٦) «من»: ليست في (د).

<<  <  ج: ص:  >  >>