للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

(أَعْمَالِهِمْ) إن كانت صالحةً؛ فعقباهم صالحةٌ، وإلَّا فسيِّئةٌ، فذلك العذاب طُهْرةٌ للصَّالح، ونقمةٌ على الفاسق، وعن عائشة مرفوعًا: «إنَّ الله تعالى إذا أنزل سطوته بأهل نقمته وفيهم الصَّالحون؛ قُبِضُوا معهم، ثمَّ بُعِثُوا على نيَّاتهم وأعمالهم» صحَّحه ابن حبَّان، وأخرجه البيهقيُّ في «شُعَبه»، فلا يلزم من الاشتراك في الموت الاشتراك في الثَّواب أو العقاب، بل يُجازى كلُّ أحدٍ بعمله على حسب نيَّته، وهذا من الحكم العدل؛ لأنَّ أعمالهم الصَّالحة إنَّما يُجازَون بها في الآخرة، وأمَّا في الدُّنيا؛ فمهما أصابهم من بلاءٍ؛ كان تكفيرًا لما قدَّموه من عملٍ سيِّئٍ؛ كترك الأمر بالمعروف، وفي «السُّنن الأربعة» من حديث أبي بكر الصِّدِّيق : سمع رسول الله يقول: «إنَّ النَّاس إذا رأَوا المنكر فلم يغيِّروه أوشك أن يعمَّهم الله بعذابٍ»، وكذا رواه ابن حِبَّان وصحَّحه، فكان العذاب المرسل في الدُّنيا على الذين ظلموا يتناول مَن كان معهم ولم ينكِر عليهم؛ فكان ذلك جزاءً لهم على مداهنتهم، ثمَّ يوم القيامة يُبْعَثُ كلٌّ منهم فيُجازى بعمله (١)، فأمَّا من أمرَ ونَهَى، فلا يُرسِل الله عليهم العذاب، بل يدفع الله بهم العذاب، ويؤيِّده قولُه تعالى: ﴿وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ﴾ [القصص: ٥٩] ويدلُّ على التَّعميم لمَنْ لم ينه عن المنكر وإن كان لا يتعاطاه قولُه: ﴿فَلَا تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ (٢) حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ﴾ [النساء: ١٤٠] ويُستفاد منه (٣) مشروعيَّة الهرب (٤) من الظَّلَمة؛ لأنَّ الإقامة معهم من إلقاء النَّفس إلى الهلكة (٥)، قاله في «بهجة النُّفوس» قال: وفي الحديث تحذيرٌ عظيمٌ لمن سكت عن النَّهي، فكيف بمن داهن؟! فكيف بمن رضي؟ فكيف بمن أعان؟ نسأل الله العافية والسَّلامة، وعند ابن أبي الدُّنيا في «كتاب الأمر بالمعروف» عن إبراهيم بن عمرٍو الصَّنعانيِّ قال: أوحى الله إلى يوشع بن نونٍ أنِّي مهلكٌ من قومك أربعين ألفًا من خيارهم، وستِّين ألفًا من شرارهم، قال: يا ربِّ؛ هؤلاء الأشرار، فما بال الأخيار؟ فقال: إنَّهم (٦) لم يغضبوا


(١) في (ع): «بفعله». وقوله بعدها: «فأمَّا»: مثبتٌ من (س).
(٢) «معهم»: ليس في (د). وقوله: «لمَنْ لم ينه عن المنكر … ﴿فَلَا تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ﴾» سقط من (ع).
(٣) في (د): «من هذا».
(٤) في (ب) و (س): «الهروب».
(٥) في (د): «التَّهلكة»، في (ص): «المهلكة».
(٦) في (د): «قال: فإنَّهم».

<<  <  ج: ص:  >  >>