للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بِحَقِّ أَخِيهِ) أي: المسلم، وكذا الذِّمِّيِّ، و «مَن» في قوله: «فمن قضيت» شرطيَّةٌ، ولأبي ذرٍّ عن الحَمُّويي والمُستملي: «من حقِّ أخيه» (شَيْئًا؛ فَلَا يَأْخُذْهُ، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ) أي: فإنَّما أقضي له بشيءٍ حرامٍ يؤول إلى النَّار؛ كما قال تعالى: ﴿إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا﴾ [النساء: ١٠] وفيه: أنَّه لا يعلم بواطن الأمور إلَّا أن يُطْلِعَه الله على ذلك، وأنَّه يحكم بالظَّاهر، ولم يُطْلِعْه الله تعالى على حقيقة الأمر في ذلك حتَّى لا يحتاج إلى بيِّنةٍ ويمينٍ تعليمًا؛ لتقتدي به أمَّته، فإنَّه لو حكم في القضايا (١) بيقينه الحاصل من الغيب؛ لما أمكن الحكم لأمَّته من بعده، ولمَّا كان الحكم بعده ممَّا لا بدَّ منه؛ أجرى أحكامه على الظَّاهر، وأمر أمَّته بالاقتداء به، فإذا حكم بما يخالف الباطن؛ لا يجوز للمقضيِّ له (٢) أخذ ما قُضِيَ له به، وفيه دلالةٌ على صحَّة مذهب مالكٍ والشَّافعيِّ وأحمد وجماهير علماء الأمصار أنَّ حكم الحاكم إنَّما ينفذ ظاهرًا لا باطنًا، وأنَّه لا يُحِلُّ حرامًا، ولا يحرِّم حلالًا، بخلاف مذهب (٣) أبي حنيفة حيث قال: إنَّ حكمه ينفذ ظاهرًا وباطنًا في العقود والفسوخ، وسيكون لنا عودةٌ إلى مباحث ذلك إن شاء الله تعالى في «باب من قُضِيَ له بحقِّ أخيه؛ فلا يأخذه» [خ¦٧١٨١] بعون الله سبحانه.

ومطابقة الحديث للتَّرجمة ظاهرةٌ، فينبغي للحاكم أن يَعِظَ الخصمين، ويحذِّرهما من الظُّلم وطلب الباطل؛ اقتداءً به ، قال في «الفتح»: وفي الحديث أنَّ التَّعمُّق (٤) في البلاغة بحيث يحصل اقتدارُ صاحبها على تزيين الباطل في صورة الحقِّ وعكسه مذمومٌ، ولو كان ذلك في التَّوصُّل إلى الحقِّ؛ لم يُذَمَّ، وإنَّما يُذَمُّ من ذلك ما يُتوصَّل به إلى الباطل في صورة الحقِّ فالبلاغة إذًا لا تُذَمُّ لذاتها، وإنَّما تُذَمُّ بحسب المتعلّق (٥) الذي قد يُمدَح بسببه، وهي في حدِّ ذاتها ممدوحةٌ، وهذا كما يُذَمُّ صاحِبُها إذا طرأ عليه بسببها الإعجابُ وتحقير غيره ممَّن لم يصل إلى درجته، ولا سيَّما إن (٦) كان الغير من أهل الصَّلاح؛ فإنَّ البلاغة إنَّما تُذَمُّ من هذه الحيثيَّة بحسب ما ينشأ عنها من الأمور الخارجيَّة عنها، ولا فرق في ذلك بين البلاغة وغيرها،


(١) في (ع): «القضاء».
(٢) «له»: سقط من (د).
(٣) «مذهب»: مثبتٌ من (ع).
(٤) في (د) و (ع): «التَّعميق».
(٥) في غير (ب) و (س): «التعلق».
(٦) في (د): «إذا».

<<  <  ج: ص:  >  >>