للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قليلةٌ منهم يكفونهم النَّفير (﴿لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ﴾) ليتكلَّفوا الفقاهة فيه، ويتجشَّموا المشاقَّ في تحصيلها (﴿وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ﴾) وليجعلوا مرمى همَّتهم إلى التَّفقُّه إنذار قومهم وإرشادهم (﴿إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ﴾) دون الأغراض الخسيسة من التَّصدُّر والتَّرؤُّس، والتَّشبُّه بالظَّلَمة في المراكب والملابس (﴿لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾ [التوبة: ١٢٢]) ما يجب اجتنابه، واستُدِلَّ به على أنَّ أخبار الآحاد يلزم بها العمل؛ لأنَّ عموم كلِّ فرقةٍ يقتضي أن ينفر من كلِّ ثلاثةٍ تفرَّدوا بقريةٍ طائفةٌ إلى التَّفقُّه لتنذر فرقتها كي يتذكَّروا ويحذروا، فلو لم تعتبر الأخبار ما لم تتواتر لم يُفِد ذلك، وسقط لغير كريمة قوله «﴿لِّيَتَفَقَّهُواْ﴾ … » إلى آخره، وقال بعد قوله: ﴿طَائِفَةٌ﴾: «الآية» قال البخاريُّ: (وَيُسَمَّى الرَّجُلُ) الواحد (طَائِفَةً؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا﴾ [الحجرات: ٩] فَلَوِ اقْتَتَلَ رَجُلَانِ) ولأبي ذرٍّ والكُشْمِيهَنيِّ: «الرَّجلان» (دَخَلَ) (١) في (مَعْنَى الآيَةِ) لإطلاق الطَّائفة على الواحد، وبهذا احتجَّ إمامنا الشَّافعيُّ، وقبله ابن (٢) مجاهدٍ، وعن ابن عبَّاسٍ وغيره: أنَّ لفظ «الطَّائفة» يتناول الواحد فما فوقه، ولا يختصُّ بعددٍ معيَّنٍ، وعن ابن عبَّاسٍ أيضًا من أربعةٍ إلى أربعين، وعن عطاءٍ اثنان فصاعدًا (وَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ﴾) بخبرٍ، وتنكير «الفاسق» و «النَّبأ» للتَّعميم، كأنَّه قال: أيُّ فاسقٍ جاءكم بأيِّ نبأ (﴿فَتَبَيَّنُوا﴾ [الحجرات: ٦]) فتوقَّفوا فيه، وتطلَّبوا بيان الأمر وانكشاف الحقيقة، ولا تعتمدوا قول الفاسق؛ لأنَّ من لا يتحامى جنس الفسوق لا يتحامى الكذب الذي هو نوعٌ منه، وفي الآية دليلٌ على قَبول خبر الواحد العدل؛ لأنَّا لو توقَّفنا في خبره لسوَّينا بينه وبين الفاسق، ولخلا التَّخصيص به عن الفائدة، وقال ابن كثيرٍ: ومن ههنا امتنع طوائف من العلماء من قَبول مجهول الحال لاحتمال فسقه في نفس الأمر، وقَبِله آخرون لأنَّا إنَّما أُمِرنا بالتَّثبُّت عند خبر الفاسق، وهذا ليس بمحقَّق الفسق لأنَّه مجهول الحال (وَكَيْفَ بَعَثَ النَّبِيُّ أُمَرَاءَهُ): جمع أميرٍ، ولأبي ذرٍّ عن الكُشْمِيهَنيِّ: «أُمراءَ» -بحذف الضَّمير- إلى الجهات (وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ) فلو لم يكن خبر الواحد مقبولًا لَما كان في إرساله معنًى، وإنَّما أرسل آخر بعد الأوَّل مع كون خبره مقبولًا؛ ليذكِّره عند السَّهو، كما قال: (فَإِنْ


(١) في (ب) و (س): «دخلا».
(٢) زيد في (س) و (ص): «ابن»، وليس بصحيحٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>