للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فكما لا تتناول العصمة من لم يؤدِّ حقَّ الصَّلاة كذلك لا تتناول العصمة من لم يؤدِّ حقَّ الزَّكاة، وإذا لم تتناولهم العصمة بقوا في عموم قوله: «أُمِرت أن أقاتل النَّاس» فوجب قتالهم حينئذٍ، وهذا من لطيف النَّظر، أن يقلِب المعترض على المستدلِّ دليله فيكون أحقَّ به، وكذلك فعل أبو بكرٍ، فسلَّم له عمر (وَاللهِ لَوْ مَنَعُونِي عِقَالًا): هو الحبل الذي يُعقَل به البعير، قال أبو عبيدٍ: وقد بعث النَّبيُّ محمَّد بن مسلمة على الصَّدقة، فكان يأخذ مع كلِّ فريضةٍ عقالًا، قال النَّوويُّ: وقد ذهب إلى هذا -أي إلى أنَّ المراد بالعقال حقيقته، وهو الحبل- كثيرٌ من المحقِّقين، والمراد به قدر قيمته، والرَّاجح أنَّ العقال لا يؤخذ في الزَّكاة لوجوبه بعينه، وإنَّما يُؤخَذ تبعًا للفريضة التي تُعقَل به، أو أنَّه قال ذلك مبالغةً على تقدير أن لو كانوا يؤدُّونه إلى رسول الله ، وقيل: العقال يُطلَق على صدقة العام، يعني صدقته، حكاه الماورديُّ عنِ الكسائيِّ، وقيل: إنَّه الفريضة من الإبل، وقيل: ما يؤخذ في الزَّكاة من أنعامٍ وثمارٍ؛ لأنَّه عُقِل عن مالها، لكن قال ابن التَّيميِّ في «التَّحرير»: من فسَّر العقال بفريضة العام تعسَّف، ولأبي ذرٍّ: «كذا» وهي كنايةٌ عن قوله: عقالًا، وله عن الكُشْمِيهَنيّ: «كذا وكذا» (كَانُوا يُؤَدُّونَهُ إِلَى رَسُولِ اللهِ لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهِ، فَقَالَ عُمَرُ) : (فَوَاللهِ مَا هُوَ إِلَّا أَنْ رَأَيْتُ اللهَ قَدْ شَرَحَ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ لِلْقِتَالِ، فَعَرَفْتُ أَنَّهُ الحَقُّ) بما ظهر من الدَّليل الذي أقامه، لا أنَّه قلَّده في ذلك؛ لأنَّ المجتهد لا يقلِّد مجتهدًا، واختُلِف في قوله: «كذا» فقيل: هي وهمٌ، وإلى ذلك أشار المؤلِّف (١) بقوله: (قَالَ ابْنُ بُكَيْرٍ) يحيى بن عبد الله بن بكيرٍ المصريُّ (وَعَبْدُ اللهِ) بن صالحٍ كاتب اللَّيث (عَنِ اللَّيْثِ) بن سعدٍ الإمام: (عَنَاقًا، وَهْوَ أَصَحُّ) من رواية: «عقالًا» ووقع في روايةٍ ذكرها أبو عبيدٍ (٢): «لو منعوني جديًا أذوط» أي: صغير الفكِّ والذَّقَن، وهو يؤيِّد أنَّ الرِّواية «عناقًا».

ومطابقة الحديث للتَّرجمة في قوله: «لأقاتلنَّ من فرَّق بين الصَّلاة والزَّكاة؛ فإنَّ من فرَّق بينهما خرج عن الاقتداء بالسُّنَّة الشَّريفة».

والحديث سبق في أوَّل «الزَّكاة» [خ¦١٤٠٠].


(١) في (ب) و (س): «المصنف».
(٢) هكذا الصواب والذي في الفتح: أبي عبيدة، وهو تصحيف لا أصل له في الأصول الخطية للفتح.

<<  <  ج: ص:  >  >>