للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ) (أَنَّ رَسُولَ اللهِ قَالَ: اللَّهُمَّ بَارِكْ) زِدْ (لَهُمْ فِي مِكْيَالِهِمْ، وَبَارِكْ لَهُمْ فِي صَاعِهِمْ وَمُدِّهِمْ، يَعْنِي) (أَهْلَ المَدِينَةِ) قال القاضي عياضٌ: ويحتمل أن تكون هذه البركة دينيَّةً، وهو ما يتعلَّق بهذه المقادير من حقوق الله تعالى في الزَّكوات (١) والكفَّارات، فيكون بمعنى البقاء لها لبقاء الحكم بها ببقاء الشَّريعة وثباتها، وأن تكون دنيويَّةً من تكثير المال والقدر بها حتَّى يكفي منها ما لا يكفي من غيرها (٢)، أو ترجع البركة إلى التَّصرُّف بها في التِّجارة (٣) وأرباحها، وإلى كثرة ما يُكال بها من غلَّاتها وأثمارها، أو لاتِّساع عيش أهلها بعد ضيقه؛ لما فتح الله عليهم ووسَّع من فضله لهم بتمليك البلاد والخصب والرِّيف بالشَّام والعراق وغيرهما، حتَّى كَثُر الحَمْلُ إلى المدينة، وفي هذا كلِّه ظهور إجابة دعوته وقبولها. انتهى. ورجَّح النَّوويُّ كونها في نفس المكيل بالمدينة، بحيث يكفي المدُّ فيها لمن (٤) لا يكفيه في غيرها، وقال الطِّيبيُّ: ولعلَّ الظَّاهر هو قول القاضي: «أو لاتِّساع عيش أهلها … » إلى آخره؛ لأنَّه قال: «وأنا أدعوك للمدينة بمثل ما دعاك إبراهيم (٥) لمكَّة» ودعاء إبراهيم هو قوله: ﴿فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ﴾ [إبراهيم: ٣٧] يعني: وارزقهم من الثَّمرات بأن تجلب إليهم من البلاد؛ لعلَّهم يشكرون النِّعمة في (٦) أن يُرزقوا أنواع الثَّمرات في وادٍ ليس فيه لحمٌ ولا شجرٌ ولا ماءٌ، لا جرم أنَّ الله ﷿ أجاب دعوته، فجعله حرمًا آمنًا يُجبَى إليه ثمرات كلِّ شيءٍ رزقًا من لدنه، ولعمري إنَّ دعاء حبيب الله استُجيب لها، وضاعف خيرها على خيرها (٧) بأن جلب إليها في زمن الخلفاء الرَّاشدين رضوان الله عليهم من مشارق الأرض ومغاربها من كنوز كسرى وقيصر وخاقان ما لا يُحصَى ولا يُحصَر، وفي آخر الأمر يأرز الدِّين إليها من أقاصي الأراضي وشاسع البلاد، وينصر هذا التَّأويل قوله في


(١) في (د): «الزَّكاة».
(٢) في غير (ب) و (س): «غيره».
(٣) في (د) و (ع): «التِّجارات».
(٤) في (ب) و (س): «من».
(٥) «إبراهيم»: مثبتٌ من (د) و (ع).
(٦) في (ص): «و».
(٧) في (ع): «غيرها»، وليس في (د): «على خيرها».

<<  <  ج: ص:  >  >>