للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

﴿فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [الأنبياء: ٧] والثَّاني: الجواز؛ لإجماع السَّلف على قبول كلمتَي الشّهادة من النَّاطق بهما، ولم يقل أحدٌ له (١): هل نظرت أو تبصَّرت بدليلٍ؟ والثَّالث: يجب التَّقليد، وأنَّ النَّظر والبحث فيه حرامٌ، والقائل بهذا المذهب طائفتان: طائفةٌ ينفون النَّظر ويقولون: إذا كان المطلوبُ في هذا العِلْمَ، والنَّظر لا يفضي إليه، فالاشتغال به حرامٌ، وطائفةٌ يعترفون بالنَّظر لكن يقولون: ربَّما أوقع النَّظر في هذا في الشُّبَهِ، فيكون ذلك سببَ الضَّلال، وقد زلَّ به طائفةٌ من العقلاء، فيحرم الاشتغال به لأجل ذلك، وقد يُتَوهَّم أنَّ هذا مذهب الشَّافعيِّ وغيره من السَّلف (٢)؛ لنهيهم عن علم الكلام والاشتغال به، ولا شكَّ أنَّ منعهم منه ليس هو لأنَّه ممنوعٌ مطلقًا، كيف وقد قطع أصحابه بأنَّه من فروض الكفايات؟! وإنَّما منعوا منه لمن لا يكون له قَدَمٌ (٣) في مسالك التَّحقيق، فيؤدِّي إلى الارتياب والشَّكِّ نحو الكفر، وذكر البيهقيُّ في «شُعَب الإيمان» هذا قال: وكيف يكون العلم الذي يتوصَّل به إلى معرفة الله وعلم صفاته ومعرفة رسله والفرق بين النَّبيِّ الصَّادق والمتنبِّئ مذمومًا أو مرغوبًا عنه؟ ولكنَّهم لإشفاقهم على الضَّعَفة ألَّا يبلغوا ما يريدون منه فيضلُّوا نَهَوا عن الاشتغال به، ونقل عن الأشعريِّ أنَّ إيمان المقلِّد لا يصحُّ، وأنَّه يقول بتكفير العوامِّ، وأنكره الأستاذ أبو القاسم القشيريُّ وقال: هذا كذبٌ وزورٌ من تلبيسات الكرَّاميَّة على العوامِّ، والظَّنُّ بجميع عوامِّ المسلمين أنَّهم مصدِّقون (٤) بالله تعالى، وقال أبو منصورٍ في «المقنع»: أجمع أصحابنا على أنَّ العوامَّ مؤمنون عارفون بالله تعالى، وأنهم حَشْو الجنَّة؛ للإخبار والإجماع فيه، لكنَّ منهم من قال: لا بدَّ من نظرٍ عقليٍّ في العقائد، وقد حصل لهم منه القدر الكافي، فإنَّ فِطَرَهم جُبِلت على توحيد الصَّانع وقِدَمِه وحُدوث الموجودات، وإن عجزوا عن التعبير عنه على اصطلاح المتكلِّمين، فالعلم بالعبارة علمٌ زائدٌ لا يلزمهم، وقد كان النَّبيُّ يكتفي من الأعراب بالتَّصديق، مع العلم بقصورهم عن معرفة النَّظر بالأدلَّة، ومطابقة الحديث للتَّرجمة ظاهرةٌ وسبق أوَّل «الزَّكاة» [خ¦١٤٥٨].


(١) في (ع): «لهم».
(٢) قوله: «وقد زلَّ به طائفةٌ من العقلاء … مذهب الشَّافعيِّ وغيره من السَّلف» مثبتٌ من (د).
(٣) زيد في (د): «صدق».
(٤) في (د): «يصدِّقون».

<<  <  ج: ص:  >  >>