للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وبصيرٌ: عليمٌ؛ لأنَّه يلزم منه -كما قال ابن بطَّال- التَّسوية بين الأعمى الذي يعلم أنَّ السَّماء خضراء ولا يراها، والأصمِّ الذي يعلم أنَّ في النَّاس أصواتًا ولا يسمعها، فقد صحَّ أنَّ كونه سميعًا بصيرًا يفيد قدرًا زائدًا على كونه عليمًا، وكونه سميعًا بصيرًا يتضمَّن أنَّه يَسْمَعُ بِسَمْعٍ ويُبصر ببصرٍ، كما تضمَّن كونه عليمًا أنَّه يعلم بعلمٍ، وقد أطلق تعالى على نفسه الكريمة هذه الأسماء خطابًا لمن هو من أهل اللُّغة، والمفهوم في اللُّغة من «عليم»: ذاتٌ له علمٌ، بل يستحيل عندهم «عليمٌ» بلا علمٍ كاستحالته بلا معلومٍ، فلا يجوز صرفه عنه إلَّا لقاطعٍ عقليٍّ يوجب نفيه، وقد أُجيب عن قول المعتزليِّ: بأنَّ السَّمع ينشأ عن وصول الهواء المسموع إلى العصب المفروش في أصل الصِّماخ، والله منزَّهٌ عن الجوارح، بأنَّ ذلك عادةٌ أجراها الله تعالى فيمن يكون حيًّا، فيخلقه الله تعالى عند وصول الهواء إلى المحلِّ المذكور، والله تعالى يسمع المسموعات بدون الوسائط، وكذا يرى المرئيَّات بدون المقابلة وخروج الشُّعاع، فذاته تعالى مع كونه حيًّا موجودًا لا تشبه الذَّوات، فكذلك صفات ذاته لا تشبه الصِّفات، فيسمع ويبصر بلا جارحةِ حدقةٍ وأذنٍ، بمرأًى منه خفاء الهواجس، وبمسمعٍ (١) منه صوت أرجل النَّمل على الصَّخرة الملساء، وحظُّ العبد من هذين الاسمين أن يتحقَّق أنَّه بمسمعٍ من الله ومرأًى منه، فلا يستهين باطِّلاعه عليه ونظره إليه، ويراقب مجامع أحواله من مقاله وأفعاله. قيل: إذا عصيت مولاك فاعْصِ في موضع لا يراك.

(وَقَالَ الأَعْمَشُ) سليمان بن مهران، فيما وصله أحمد والنَّسائيُّ: (عَنْ تَمِيمٍ) أي: ابن سلمة الكوفيِّ (عَنْ عُرْوَةَ) بن الزُّبير (عَنْ عَائِشَةَ) أنَّها (قَالَتِ: الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَسِعَ سَمْعُهُ الأَصْوَاتَ) أي: أدرك سمعه الأصوات، وليس المراد من الوسع ما يفهم من ظاهره؛ لأنَّ الوصف بذلك يؤدِّي إلى القول بالتَّجسيم، فيجب صرفه عن ظاهره إلى ما يقتضي الدَّليل صحَّته (فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى عَلَى النَّبِيِّ : ﴿قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا﴾ [المجادلة: ١])


(١) في (د): «ويسمع»، ولعلَّه تحريفٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>