للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وإن لم يكن نفس المسمَّى لكنَّه دالٌّ عليه، ووضع الكلام على أن تُذكَر الألفاظ وتَرجِع الأحكام إلى المدلولات؛ كقولنا: زيدٌ كاتبٌ، أي: مدلول زيدٍ متَّصفٌ بمعنى الكتابة، وقد ترجع بمعونة القرينة إلى نفس اللَّفظ كما في قولنا: زيدٌ مكتوبٌ وثلاثيٌّ ومعرَبٌ ونحو ذلك، وأُجيب عن الأوَّل: بأنَّ الثَّابت في الأزل معنى الإلهيَّة والعلم، ولا يلزم من انتفاء الاسم بمعنى اللَّفظ انتفاء ذلك المعنى، وعن الثَّاني: بأنَّ معنى تسبيح الاسم تقديسه وتنزيهه عن أن يُسمَّى به الغير، أو عن أن يفسَّر بما لا يليق به (١)، أو عن أن يُذكَر على غير وجه التَّعظيم، أو هو كنايةٌ عن تسبيح الذَّات، كما في قولهم: سلامٌ على المجلس الشَّريف والجناب المنيف، وفيه من التَّعظيم والإجلال ما لا يخفى، أو لفظ «الاسم» مقحمٌ، كما في قول الشَّاعر:

ثمَّ اسم السَّلام عليكما

ومعنى عبادة الأسماء أنَّهم يعبدون الأصنام التي ليس فيها من الإلهيَّة إلَّا مجرَّد الاسم، كمن سمَّى نفسه بالسُّلطان وليس عنده آلات السَّلطنة وأسبابها، فيقال: إنَّه فَرِحَ من السَّلطنة بالاسم، على أن في تقرير الاستدلال اعترافًا بالمغايرة حيث يقال: التَّسبيح لذات الرَّبِّ دون اسمه، والعبادة لذوات الأصنام دون أساميها (٢)، بل ربَّما يُدَّعَى أنَّ في الآيتين دلالةً على المغايرة حيث أُضِيف الاسم إلى الرَّبِّ ﷿، وجَعَلَ الأسماء بتسميتهم (٣) وفعلهم، مع القطع بأنَّ أشخاص الأصنام ليست كذلك، ثمَّ عورِض الوجهان بوجهين: الأوَّل: أنَّ الاسم لفظٌ، وهو عَرَضٌ غير باقٍ ولا (٤) قائمٍ بنفسه، متَّصفٌ بأنَّه متركِّبٌ من الحروف، وبأنَّه أعجميٌّ أو عربيٌّ، ثلاثيٌّ أو رباعيٌّ، والمسمَّى معنًى لا يتَّصف بذلك، فربَّما يكون جسمًا قائمًا بنفسه، متَّصفًا بالألوان، متمكِّنًا في المكان … إلى غير ذلك من الخواصِّ، فكيف يتَّحدان؟ الثَّاني: قوله تعالى: ﴿وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾ [الأعراف: ١٨٠] وقوله : «إن لله تسعةً وتسعينً اسمًا» مع القطع بأنَّ المسمَّى واحدٌ لا تعدُّد فيه، وأُجيب: بأنَّ النِّزاع ليس في نفس اللَّفظ بل


(١) «به»: ليس في (د).
(٢) في (د): «أسمائها».
(٣) في (د): «تسميتهم».
(٤) في غير (د): «أو لا»، وزيد في (ع): «غير».

<<  <  ج: ص:  >  >>