للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

كسب العباد إنَّما هو بمشيئة الله وإرادته، ولو لم يرد وقوعه ما وقع، وقسم بعضهم الإرادة إلى (١) قسمين: إرادة أمرٍ وتشريعٍ، وإرادة قضاءٍ وتقديرٍ، فالأولى تتعلَّق بالطَّاعة والمعصية سواءٌ وقعت أم لا، والثَّانية: شاملةٌ لجميع الكائنات، محيطةٌ بجميع الحادثات طاعةً ومعصيةً، وإلى الأوَّل (٢) الإشارة بقوله تعالى: ﴿يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ [البقرة: ١٨٥] وإلى الثَّاني (٣) بقوله تعالى: ﴿فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلَامِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا﴾ [الأنعام: ١٢٥].

(وَقَوْلِ اللهِ تَعَالَى) بالجرِّ عطفًا على المجرور السَّابق، وسقط الباب وتاليه لغير أبي ذرٍّ، فقوله: «وقول الله تعالى (٤)» رفعٌ: (﴿تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء﴾ [آل عمران: ٢٦]) وقوله تعالى: (﴿وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا. إِلَّا أَن يَشَاء اللهُ﴾ [الكهف: ٢٣ - ٢٤]) وقوله (٥) تعالى: (﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَن يَشَاء﴾ [القصص: ٥٦]) يخلق (٦) فعل الاهتداء فيمن يشاء، فدلَّت هذه الآيات على إثبات الإرادة والمشيئة لله تعالى، وأنَّ العباد لا يريدون شيئًا إلَّا وقد سبقت إرادة الله تعالى له (٧)، وأنَّه الخالق لأعمالهم طاعةً أو معصيةً.

(قَالَ سَعِيدُ بْنُ المُسَيَّبِ: عَنْ أَبِيهِ: نَزَلَتْ) آية: ﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ﴾ [القصص: ٥٦] (فِي أَبِي طَالِبٍ) وقد أجمع المفسِّرون على أنَّها نزلت فيه كما قاله الزَّجَّاج، وهذا التَّعليق وصله في «تفسير سورة القصص» [خ¦٤٧٧٢].

وقوله تعالى: (﴿يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ [البقرة: ١٨٥]) تمسَّك به المعتزلة بأنَّه لا يريد المعصية، وأجيب بأنَّ معنى إرادة اليسر التَّخيير بين الصَّوم في السَّفر ومع المرض والإفطار بشرطه، وإرادة العسر المنفيَّة الإلزام بالصَّوم في السَّفر في جميع الحالات، فالإلزام هو


(١) في (ع): «على».
(٢) في (د): «الأولى».
(٣) في (د): «الثَّانية».
(٤) «تعالى»: ليس في (د).
(٥) في (ع): «وقول الله».
(٦) في (ع): «يحقِّق».
(٧) «له»: مثبتٌ من (ب) و (س).

<<  <  ج: ص:  >  >>