للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

تعالى نفى الشَّريك فكأنَّ قائلًا قال (١): هنا أقوامٌ معترفون بنفي الشُّركاء والأنداد، ومع ذلك يقولون: بخلق أفعال أنفسهم، فذكر الله هذه الآية ردًّا عليهم، ولا شبهة فيها لمن لا يقول: الله شيءٌ، ولا لمن يقول بخلق القرآن؛ لأنَّ الفاعل بجميع صفاته لا يكون مفعوله.

(وَقَالَ مُجَاهِدٌ) المفسِّر فيما وصله الفريابيُّ في قوله تعالى: (﴿مَا نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلاَّ بِالحَقِّ ِّ﴾ [الحجر: ٨]) أي: (بِالرِّسَالَةِ وَالعَذَابِ) وقال في «الكواكب»: ﴿مَا نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ﴾ بالنُّون ونصب ﴿الْمَلائِكَةَ﴾ استشهادٌ لكون نزول الملائكة بخلق الله، وبالتَّاء المفتوحة والرَّفع لكون نزولهم بكسبهم.

(﴿لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَن صِدْقِهِمْ﴾ [الأحزاب: ٨]) أي: (المُبَلِّغِينَ المُؤَدِّينَ) بكسر اللَّام والدَّال المشدَّدتين فيهما (مِنَ الرُّسُلِ) أي: الأنبياء المبلِّغين المؤدِّين الرِّسالة عن تبليغهم، والتَّفسير بهم إنَّما هو بقرينة السَّابق عليه (٢) وهو قوله تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا﴾ [الأحزاب: ٧] وهو لبيان الكسب حيث أسند الصِّدق إليهم والميثاق ونحوه.

(وَإِنَّا لَهُ حَافِظُونَ) ولأبوي الوقت وذرٍّ: «﴿لَحَافِظُونَ﴾» [الحجر: ٩] (عِنْدَنَا) هو أيضًا من قول مجاهدٍ أخرجه الفريابيُّ، وقال مجاهدٌ (٣) أيضًا ممَّا وصله الطَّبريُّ: (﴿وَالَّذِي جَاء بِالصِّدْقِ﴾ [الزمر: ٣٣]) هو (القُرْآنُ ﴿وَصَدَّقَ بِهِ﴾) هو (المُؤْمِنُ يَقُولُ يَوْمَ القِيَامَةِ: هَذَا الَّذِي أَعْطَيْتَنِي عَمِلْتُ بِمَا فِيهِ) وهو أيضًا للكسب إذا أُضيف التَّصديق (٤) إلى المؤمن لا سيَّما وأضاف العمل أيضًا إلى نفسه حيث قال: «عملت» والكسب له جهتان فأثبتهما بالآيات، وقد اجتمعا (٥) في كثيرٍ من الآيات نحو: ﴿وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ [البقرة: ١٥] قاله في «الكواكب» قال ابن بطَّالٍ: غرض البخاريِّ في هذا الباب: نسبة الأفعال كلِّها لله تعالى، سواءٌ كانت من المخلوقين خيرًا أو شرًّا، فهي لله خلقٌ وللعباد كسبٌ، ولا يُنسَب شيءٌ من الخلق لغير الله تعالى، فيكون شريكًا وندًّا ومساويًا له في


(١) في (ع): «يقول».
(٢) في (ب) و (س): «عليهم».
(٣) قوله: «أخرجه الفريابيُّ، وقال مجاهدٌ»: سقط من غير (د) و (س).
(٤) «التَّصديق»: مثبتٌ من (د).
(٥) في (ب) و (س): «اجتمعتا»، وفي (د): «اجتمع».

<<  <  ج: ص:  >  >>