للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ويكشف كربًا، ويرفع قومًا ويضع آخرين» [خ¦٦٥ - ٧١٦٦]، وعن ابن (١) عيينة: الدَّهر عند الله يومان: أحدهما: اليوم الذي هو مدَّة الدُّنيا، فشأنه فيه الأمر والنَّهي والإحياء والإماتة والإعطاء والمنع، والآخر: يوم القيامة، فشأنه فيه الحساب والجزاء، واستُشكِل بأنَّه قد صحَّ أنَّ القلم جفَّ بما هو كائنٌ إلى يوم القيامة، وأُجيب بأنَّها شؤونٌ يبديها لا شؤونٌ يبتديها.

(وَ) قولِه تعالى: (﴿مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مَّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ﴾ [الأنبياء: ٢]) ذكر الله تعالى ذلك بيانًا لكونهم معرضين في قوله: ﴿وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مَّعْرِضُونَ﴾ [الأنبياء: ١] وذلك أنَّ الله تعالى يجدِّد (٢) لهم الذِّكر في (٣) كلِّ وقتٍ، ويظهر لهم الآية بعد الآية، والسُّورة بعد السُّورة؛ ليكرّر على أسماعهم الموعظة لعلَّهم يتَّعظون، فما يزيدهم ذلك إلَّا استسخارًا، فمعنى ﴿مُّحْدَثٍ﴾ هو أنَّ يحدث الله الأمر بعد الأمر، أو مُحدَثٌ في التَّنزيل، فالإحداث بالنِّسبة للإنزال، وأمَّا المنزَّل (٤) فقديمٌ، وتعلُّق القدرة حادثٌ، ونفس القدرة قديمةٌ، فالمذكور -وهو القرآن- قديمٌ، والذِّكر حادثٌ لانتظامه من الحروف الحادثة، فلا تمسُّك للمعتزلة بهذه الآية على حدوث القرآن، ويحتمل أن يكون المراد بالذِّكر هنا هو وعظ رسول الله (٥) وتحذيره إيَّاهم عن معاصي الله، فسُمِّي وعظه ذكرًا، وأضافه إليه تعالى لأنَّه فاعله في الحقيقة، ومقدِّرٌ رسوله على اكتسابه.

(وَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا﴾ [الطلاق: ١] وإنَّ حدثه لا يشبه حدث المخلوقين؛ لقوله تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾ [الشورى: ١١]) لعلَّ مراده أنَّ (٦) المحدث غير المخلوق كما هو رأي البلخيِّ وأتباعه، وقد تقرَّر أنَّ صفات الله تعالى إمَّا سلبيَّةٌ وتُسمَّى بالتَّنزيهات، وإمَّا وجوديَّةٌ حقيقةً كالعلم والإرادة والقدرة وأنَّها قديمةٌ لا محالة، وإمَّا إضافيَّةٌ


(١) في (ب): «أبي»، وهو تحريفٌ.
(٢) في (د): «يحدث».
(٣) «في»: مثبتٌ من (د).
(٤) في (ص): «المنزول».
(٥) في (د): «الرَّسول».
(٦) «أنَّ»: ليس في (ص) و (ع).

<<  <  ج: ص:  >  >>