للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وكلام البلغاء يُصان عن ذلك (١)، فلو قلت: إن أتى زيدٌ فقد جاء، لم يجز، وظاهر قوله تعالى: ﴿وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ﴾ اتِّحاد الشَّرط والجزاء، فإنَّ المعنى يؤول ظاهرًا إلى (٢) «وإن لم تفعل لم تفعل» ولا معنى له (٣)، وأجاب النَّاس عن ذلك بأجوبةٍ، فقيل: هو أمرٌ بتبليغ الرِّسالة في المستقبل، أي: بلِّغ ما أُنزِل إليك من ربِّك في المستقبل، وإن لم تفعل -أي: وإن لم تبلِّغ الرِّسالة في المستقبل- فكأنَّك لم تبلِّغ الرِّسالة أصلًا، أو بلِّغ ما أُنزِل إليك من ربِّك الآن ولا تنتظر به كثرة الشَّوكة والعدَّة، فإن لم تبلِّغ كنت كمن لم (٤) يبلِّغ أصلًا، أو بلِّغ غير خائفٍ أحدًا، فإن لم تبلِّغ على هذا الوصف فكأنَّك لم تبلِّغ الرِّسالة أصلًا، ثمَّ قال مشجِّعًا له في التَّبليغ: ﴿وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾ [المائدة: ٦٧] وقال البدر الدَّمامينيُّ في «مصابيحه»: وجه التَّغاير بين الشَّرط والجزاء: أنَّ الجزاء ممَّا أُقيم فيه السَّبب مقام المسبِّب؛ إذ عدُم التَّبليغ سببٌ لتوجيه العتب، وهذا المسبَّب (٥) في الحقيقة هو الجزاء، فالتَّغاير حاصلٌ، لكنَّ نكتة العدول عنه إلى ذكر السَّبب إجلالُ النَّبيِّ وترفيع محلِّه عن أن يُواجَه بعتبٍ أو بشيءٍ (٦) ممَّا يتأثَّر منه ولو على سبيل الفرض، فتأمَّله. انتهى.

(وَقَالَ الزُّهْرِيُّ) محمَّد بن مسلمٍ: (مِنَ اللهِ) ﷿ (الرِّسَالَةُ، وَعَلَى رَسُولِ اللهِ) وللأَصيليِّ: «وعلى رسوله» ( البَلَاغُ، وَعَلَيْنَا التَّسْلِيمُ) فلا بدَّ في الرِّسالة من ثلاثة أمورٍ: المرسِل والرَّسول والمرسَل إليه، ولكلٍّ منهم شأنٌ، فللمرسِل الإرسال، وللرَّسول التَّبليغ، وللمرسَل إليه القبول والتَّسليم، وهذا وقع في قصَّةٍ أخرجها الحميديُّ في «النَّوادر» ومن طريقه الخطيب.

(وَقَالَ: ﴿لِيَعْلَمَ﴾) ولأبي ذرٍّ: «وقال الله (٧) تعالى: ليعلم» أي: الله تعالى (﴿أَن قَدْ أَبْلَغُوا﴾) أي: الرُّسل (﴿رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ﴾ [الجن: ٢٨]) كاملةً بلا زيادةٍ ولا نقصانٍ إلى المرسَل إليهم، أي: ليعلم الله


(١) قوله: «ولم تحصل منه فائدةٌ، وكلام البلغاء يُصان عن ذلك» مثبتٌ من (د).
(٢) «إلى»: مثبتٌ من (د).
(٣) قوله: «ولا معنى له»: مثبتٌ من (د).
(٤) في (ص) و (ع): «لا».
(٥) في (د) و (س) و (ص): «السَّبب»، والمثبت موافقٌ لما في «مصابيح الجامع» (١٠/ ٢٦٤).
(٦) في (د): «شيءٍ».
(٧) اسم الجلالة: مثبتٌ من (د) و (س)، وكذا هي رواية أبي ذرٍّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>