للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ذلك من جهة النَّحو؛ إذ «ما» لا يصحُّ أن (١) تكون مع الفعل الخاصِّ إلَّا مصدريَّةً فعلى هذا فالآية تردُّ مذهبهم وتفسد قولهم، والنَّظم على قول أهل السُّنَّة أبدع، فإن قيل: قد تقول: عملت الصَّحفة وصنعت الجفنة، وكذا يصحُّ: عملت الصَّنم، قلنا: لا يتعلَّق ذلك إلَّا بالصُّورة التي هي التَّركيب والتَّأليف، وهي الفعل الذي هو الإحداث دون الجواهر بالاتفاق، ولأنَّ الآية وردت في إثبات استحقاق الخالق العبادة لانفراده بالخلق، وإقامة الحجَّة على من يعبد ما لا يخلق وهم يُخلَقون، فقال: أتعبدون ما لا يَخلق، وتَدَعون عبادة من خلقكم وخلق أعمالكم التي تعملون، ولو كان كما زعموا لَمَا قامت (٢) الحجَّة من هذا الكلام؛ لأنَّه لو جعلهم خالقين لأعمالهم وهو خالق الأجناس لشرّكهم معه في الخلق -تعالى الله عن إفكهم- وقال البيهقيُّ في «كتاب الاعتقاد»: قال الله تعالى: ﴿ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ [غافر: ٦٢] فدخل فيه الأعيان والأفعال من الخير والشَّرِّ، وقال تعالى: ﴿أَمْ جَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ﴾ [الرعد: ١٦] فنفى أن يكون خالقٌ غيرَه، ونفى أن يكون شيءٌ سواه غيرَ مخلوقٍ، فلو كانت الأفعال غيرَ مخلوقةٍ له لكان خالقَ بعضِ شيءٍ، وهو بخلاف الآية، ومن المعلوم أنَّ الأفعال أكثر من الأعيان، فلو كان الله خالق الأعيان، والنَّاس خالقي الأفعال، لكان مخلوقات النَّاس أكثر من مخلوقات الله -تعالى الله عن ذلك- وقال الشَّمس الأصفهانيُّ (٣) في تفسير قوله (٤): ﴿وَمَا تَعْمَلُونَ﴾: أي: عملكم، وفيه دليلٌ على أنَّ أفعال العباد مخلوقةٌ لله تعالى، وأنَّها مكتسبةٌ للعباد حيث أثبت لهم عملًا، فأبطلت هذه الآية مذهب القدريَّة والجبريَّة معًا، وقد رجَّح بعض العلماء كونها مصدريَّةً؛ لأنَّهم (٥) لم يعبدوا الأصنام إلَّا لعملهم لا لجرم الصَّنم، وإلَّا لكانوا يعبدونه قبل النَّحت، فكأنَّهم عبدوا العمل، فأنكر عليهم عبادة المنحوت الذي لم ينفكَّ عن عمل


(١) «أن»: ليس في (د)، و «يصحُّ أن»: ليس في (ص) و (ع).
(٢) في (د): «زعموا لكانت»، ولا يصحُّ.
(٣) في (د): «الأصبهانيُّ».
(٤) في (د): «تفسيره».
(٥) في (د): «لكونهم».

<<  <  ج: ص:  >  >>