للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وفي سياق التِّرمذيِّ: أنَّه زهدم، وكذا عند أبي عَوانة في «صحيحه» ويحتمل أن يكون كلٌّ من زَهْدَم والآخر امتنعا من الأكل (فَقَالَ) أبو موسى له: (هَلُمَّ) تعال (فَلأُحَدِّثْكَ عَنْ ذَاكَ) أي: فوالله لأحدِّثك، أي: عن الطَّريق في حلِّ اليمين، وفي أصل «اليونينيَّة»: «فلْأحدِّثْك» بسكون اللَّام والمثلَّثة، ولأبي ذرٍّ عن الحَمُّويي والمُستملي: «فلأحدثنَّك» (١) بنون التَّأكيد عن ذلك باللَّام قبل الكاف: (إِنِّي أَتَيْتُ النَّبِيَّ فِي نَفَرٍ مِنَ الأَشْعَرِيِّينَ) ما بين الثَّلاثة إلى العشرة من الرِّجال (نَسْتَحْمِلُهُ) نطلب منه أن يحملنا ويحمل أثقالنا في غزوة تبوك على شيءٍ من الإبل (قَالَ) صلوات الله وسلامه عليه: (وَاللهِ لَا أَحْمِلُكُمْ، وَمَا عِنْدِي مَا أَحْمِلُكُمْ) أي: عليه (فَأُتِيَ النَّبِيُّ) بضمِّ الهمزة مبنيًّا للمفعول ( بِنَهْبِ إِبِلٍ) من غنيمةٍ (فَسَأَلَ عَنَّا فَقَالَ: أَيْنَ النَّفَرُ الأَشْعَرِيُّونَ)؟ فأتينا (فَأَمَرَ لَنَا بِخَمْسٍ ذَوْدٍ) بفتح الذَّال المعجمة وسكون الواو بعدها دالٌ مهملةٌ، وهو من الإبل ما بين الثَّنتين إلى التِّسعة، وقيل: ما بين الثَّلاثة إلى العشرة، واللَّفظة مؤنَّثةٌ لا واحد لها من لفظها كالنَّعم، وقال أبو عبيدٍ: الذَّود من الإناث دون الذُّكور، وفي «غزوة تبوك» [خ¦٤٤١٥] ستَّة أبعرةٍ، وفي «الأيمان والنُّذور» [خ¦٦٧١٨] بثلاثة ذودٍ، ولا تنافي في ذلك لأنَّ ذكر عددٍ لا ينافي غيره، وقوله: «خمس» بالتَّنوين، وفي رواية (٢): بغير تنوينٍ على الإضافة، واستنكره أبو البقاء في «غريبه» (٣) وقال: والصَّواب تنوين «خمس» وأن يكون «ذود» بدلًا من «خمس» فإنه لو كان بغير تنوينٍ لتغيَّر المعنى؛ لأنَّ العدد المضاف غير المضاف إليه، فيلزم أن يكون «خمس» خمسة عشر بعيرًا؛ لأنَّ الإبل الذَّود ثلاثةٌ (٤)، وتعقَّبه الحافظ ابن حجرٍ فقال: ما أدري كيف حُكِم


(١) زيد في (د): «بسكون اللَّام والمثلَّثة، ولأبي ذرٍّ عن الحمُّويي والمُستملي: فلأحدثنَّك»، وهو تكرار.
(٢) في (د) و (ع): «ورُوِي»، و «رواية»: ليس في (ل).
(٣) في (ع): «غرائبه».
(٤) قال السندي في «حاشيته»: (فأمر لنا بخمس ذودٍ) وهو بإضافة خمسٍ إلى ذود، وذود: جمع (ناقة) معنى، وإضافة اسم العدد إليه تفيدُ أنَّ آحادها خمسٌ، كلُّ واحد من تلك الآحاد ناقةٌ لا ذود، كما أنَّ إضافة خمسة في قولك: عندي خمسة رجال، إلى رجالٍ؛ لإفادة أنَّ العدد لآحاد الرجال لا لنفس الجمع، وكلُّ واحد من الآحاد رجلٌ لا رجال.
ومثل: (خمس ذود) قوله تعالى: ﴿وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ﴾؛ لإفادةِ أن آحاد الرَّهط كانوا تسعة، وكلُّ واحد من تلك الآحاد رجل لا رهط. والحاصل: أنَّ اسم العدد من ثلاثة إلى عشرة يُضاف إلى الجمع لفظًا أو معنًى، لإفادة عدد آحاد ذلك الجمع لا تعدد نفس الجمع.
والعجبُ من أبي البقاء مع كمالهِ في علمِ العربية قال: الصَّواب تنوين «خمس»، فإنَّه لو كان بغير تنوين لتغير المعنى؛ لأنَّ العدد المضاف غير المضاف إليه، فيلزم أن تكون خمس خمسة عشر بعيرًا؛ لأنَّ أقلَّ الذَّود ثلاثة.
ثمَّ العجبُ من القسطلاني أنَّه قرَّرها على ذلك، فسبحان من لا يذهلُ ولا ينسى. والله تعالى أعلم. قال المحقق: والقسطلاني لم يقره على ذلك بل نقل تعقب الحافظ ابن حجر عليه في الفتح كما هو ظاهر في الشرح فتأمل.

<<  <  ج: ص:  >  >>