للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

المدينة ليس في سفرٍ، فيحتمل أن يُقال: لمَّا كان السَّفر لا يتأكَّد (١) فيه الجماعة، ويشقُّ الاجتماع لأجلها اكتفى فيه بأحدهما بخلاف الحضر، فإنَّ المشقَّة فيه أخفُّ، والجماعة فيه آكدُ، وظاهره التَّخصيص باللَّيل فقط دون النَّهار، وإليه ذهب الأصحاب في الرِّيح فقط دون المطر والبرد، فقالوا في المطر والبرد: إنَّ كلًّا منهما عذرٌ في اللَّيل والنَّهار، وفي الرِّيح العاصفة: عذرٌ في اللَّيل فقط، جزم به الرَّافعيُّ والنَّوويُّ. فإن قلت: في حديث ابن عبَّاسٍ السَّابق في «باب الكلام في الأذان» [خ¦٦١٦]: «فلمَّا بلغ المؤذِّن: حيَّ على الصَّلاة فأمره أن يناديَ: الصَّلاة في الرِّحال»، وهو يقتضي أنَّ ذلك يُقال بدلًا من (٢) الحيعلة، وظاهر الحديث هنا أنَّه بعد الفراغ من الأذان، فما الجمع بينهما؟ أُجيب بجواز الأمرين، كما نصَّ عليه الشَّافعيُّ في «الأمِّ» لأمره بكلٍّ منهما، ويكون المراد من قوله: «الصَّلاة في الرِّحال» الرُّخصة لمن أرادها، و «هلمُّوا إلى الصَّلاة» النَّدب لمن أراد استكمال الفضيلة، ولو تحمَّل المشقَّة. وفي حديث جابرٍ المرويِّ في «مسلمٍ» ما يؤيِّد ذلك، ولفظه: خرجنا مع رسول الله في سفرٍ فمُطِرنا، فقال: «ليصلِّ من شاء منكم في رحله» وقد تبيَّن بقوله: «من شاء» أنَّ أمره بقوله: «ألا صلُّوا في الرِّحال» ليس أمر عزيمةٍ حتَّى لا يشرِّع لهم الخروج إلى الجماعة، وإنَّما هو راجعٌ إلى مشيئتهم، فمن شاء صلَّى في رحله، ومن شاء خرج إلى الجماعة (٣).


(١) في (ص): «تتأكَّد».
(٢) في غير (ص) و (م): «عن».
(٣) قوله: «وقد تبيَّن بقوله: من شاء أنَّ أمره … ومن شاء خرج إلى الجماعة» ليس في (م).

<<  <  ج: ص:  >  >>