على الأحجار والأخزاف (١)، والجلود والأكتاف، إلى الوقت الذي يمكنه نقلها إلى الأوراق، عمَّن هو فوقه وعمَّن هو مثله وعمّن هو دونه، وعن كتاب أبيه يتيقَّن أنَّه بخطِّ أبيه دون غيره؛ لوجه الله تعالى طلبًا لمرضاته، والعمل بما وافق كتاب الله ﷿ منها، ونشرها بين طالبيها ومحبِّيها، والتَّأليف في إحياء ذكره بعده، ثمَّ لا تتمُّ له هذه الأشياء إلَّا بأربعٍ هي من كسب العبد؛ أعني: معرفة الكتابة واللُّغة والصَّرف والنَّحو، مع أربعٍ هي من إعطاء الله تعالى؛ أعني: القدرة والصِّحَّة والحرص والحفظ، فإذا تمَّت له هذه الأشياء كلُّها؛ هان عليه أربعٌ: الأهل والولد والمال والوطن، وابتُلِي بأربعٍ: بشماتة الأعداء، وملامة الأصدقاء، وطعن الجهلاء، وحسد العلماء، فإذا صبر على هذه المِحَن؛ أكرمه الله ﷿ في الدُّنيا بأربعٍ: بعزِّ القناعة، وبهيبة النفس، وبلذَّة العلم، وبحياة الأبد، وأثابه في الآخرة بأربعٍ: بالشَّفاعة لمن أرادهُ من إخوانه، وبظلِّ العرش يوم لا ظلَّ إلَّا ظلُّه، وبسقي من أراد من حوض نبيِّه ﷺ، وبمجاورة النَّبيِّين في أعلى عليِّين في الجنَّة، فقد أعلمتك يا بنيَّ مجملًا لجميع ما سمعتُ من مشايخي، متفرِّقًا في هذا الباب، فأَقْبِلِ الآن إلى ما قصدتَ إليه أو دَعْ.
فهالني قوله، فسكتُّ متفكِّرًا، وأطرقت متأدِّبًا، فلمَّا رأى ذلك منِّي؛ قال: وإن لم تُطِقْ حمل هذه المشاقِّ كلِّها؛ فعليك بالفقه، يمكنك تعلُّمه وأنت في بيتك قارٌّ ساكنٌ، لا تحتاج إلى بُعْد الأسفار، ووطء الدِّيار، وركوب البحار، وهو مع ذا ثمرةُ الحديث، وليس ثوابُ الفقيه دون ثواب المحدِّث في الآخرة، ولا عزُّه بأقلَّ من عزِّ المحدِّث. فلمَّا سمعت ذلك نقص عزمي في طلب الحديث، وأقبلت على دراسة الفقه وتعلُّمه
(١) وفي (ص): «والأحزان»، ولعلَّه تحريفٌ، وفي (م): «الأجواف». وفي نسخة العجمي «والأصداف».