للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ما أرادت من المُبالَغة. وقِيلَ: هو عامٌّ مخصوصٌ، عامٌّ في نفي الذَّات وأحكامها، ثمَّ خُصَّ بإخراج الذَّات لأنَّ الرَّسول لا يكذب. وقِيلَ: هو عامٌّ غير مخصوصٍ لأنَّ العرب لم تضعه لنفي الذَّات، بل لنفي كلِّ أحكامها، وأحكامها في مسألتنا الكمال والصِّحَّة، وهو عامٌّ فيهما. وردَّه المحقِّقون بأنَّ العموم إنَّما يحسن إذا لم يكن فيه تنافٍ، وهو هنا لازمٌ لأنَّ نفيَ الكمال (١) يصحُّ معه الإجزاء، ونفي الصِّحَّة لا يصحُّ معه الإجزاء (٢)، وصار المحقِّقون إلى الوقف، وأنَّه تردُّدٌ (٣) بين نفي الكمال والإجزاء (٤)، فإجماله من هذا الوجه، لا ممَّا قاله الأوَّلون، وعلى هذا المذهب يتخرَّج (٥) قوله: «لا صلاة»، وتعقَّبه الأُبِّيُّ فقال: ما رَدَّ به الأوَّل لا يرفع الإجمال لأنَّه وإن سُلِّم أنَّه لنفي الحكم فالأحكام متعدِّدةٌ، وليس أحدهما أَوْلى -كما تقدَّم-، وإنَّما الجواب ما قِيلَ: من أنَّه لا يمتنع نفي الذَّات، أي: الحقيقة الشَّرعيَّة لأنَّ الصَّلاة في عرف الشَّرع اسمٌ للصَّلاة الصَّحيحة، فإذا فُقِد شرطُ صحَّتها انتفت، فلا بدَّ من (٦) تعلُّق النَّفي بالمُسمَّى الشَّرعيِّ، ثمَّ لو سُلِّم عَوْدُه إلى الحكم فلا يلزم الإجمال لأنَّه في نفي الصِّحَّة أظهر؛ لأنَّ مثل هذا اللَّفظ يُستعمَل عرفًا لنفي الفائدة كقولهم: لا عِلْم إِلَّا ما نفع، ونفي الصِّحَّة أظهر (٧) في بيان نفي الفائدة، وأيضًا اللَّفظ يشعر بالنَّفي العامِّ، ونفي الصِّحَّة أقرب إلى العموم من نفي الكمال لأنَّ الفاسد لا اعتبار له بوجهٍ، ومن قال: إنَّه عامٌّ مخصوصٌ فالمُخصِّص (٨) عنده الحسُّ؛ لأنَّ الصَّلاة قد وقعت كقوله تعالى: ﴿تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا﴾ [الأحقاف: ٢٥] فإنَّ الحسَّ يشهد بأنَّها لم تدمِّر الجبال. انتهى.

وقال في «فتح القدير»: قوله: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب» هو مشترك الدَّلالة لأنَّ النَّفيَ لا يَرِدُ إلَّا على النِّسَب، لا على نفس المُفرَد، والخبر الَّذي هو متعلِّق الجارِّ محذوفٌ،


(١) في (ص) و (م): «الإجمال».
(٢) «الإجزاء»: ليس في (د).
(٣) في (د) و (ص): «متردِّدٌ»، وفي (م): «متردٍّ».
(٤) في (د): «والإجمال».
(٥) في (م): «يترجَّح».
(٦) في (ج) و (د) و (م): «بُعْدَ في».
(٧) قوله: «لأنَّ مثل هذا اللَّفظ يُستعمَل عرفًا … ونفي الصِّحَّة أظهر» سقط من (م)، وزِيد: «منه».
(٨) في (ص) و (م): «فالمخصوص».

<<  <  ج: ص:  >  >>