متحرِّزًا عن الكذب، مشهورًا بالتَّديُّن، وعدم تعلُّق ذلك الحديث ببدعته؛ فينبغي أن تُقدَّم مصلحة تحصيل ذلك الحديث ونشر تلك السُّنَّة على مصلحة إهانته.
وأمَّا المخالفة، وينشأ عنها الشُّذوذ والنَّكارة؛ فإذا روى الضَّابط والصَّدوق شيئًا، فرواه من هو أحفظ منه أو أكثر عددًا بخلاف ما روى؛ بحيث يتعذَّر الجمع على قواعد المحدِّثين فهذا شاذٌّ، وقد تشتدُّ المخالفة أو يضعف الحفظ، فيحكم على ما يخالف فيه بكونه مُنكَرًا، وهذا ليس في «الصَّحيح» منه سوى نزرٍ يسيرٍ.
وأمَّا الغلط؛ فتارةً يَكثُر من الرَّاوي، وتارةً يقلُّ، فحيث يُوصَف بكونه كثير الغلط يُنظَر فيما أُخرِج له، إن وُجِدَ مرويًّا عنده وعند غيره من رواية غير هذا الموصوف عُلِمَ أنَّ المعتمد أصل الحديث لا خصوص هذه الطَّريق، وإن لم يوجد إِلَّا من طريقه فهو قادحٌ يُوجِب التَّوقُّف عن الحكم بصحَّة ما هذا سبيله، وليس في «الصَّحيح» بحمد الله تعالى من ذلك شيءٌ.
وأمَّا الجهالة فمندفعةٌ عن جميع من أُخرِج لهم في «الصَّحيح»؛ لأنَّ شرط الصَّحيح أن يكون راويه معروفًا بالعدالة، فمن زعم أنَّ أحدًا منهم مجهولٌ فكأنَّه نازع المصنِّف في دعواه أنَّه معروفٌ، ولا ريب أنَّ المدَّعي لمعرفته مقدَّمٌ على من يدَّعي عدم معرفته؛ لما مع المثبِت من زيادة العلم، ومع ذلك فلا نجد في رجال الصَّحيح من (١) يُسوغ إطلاق اسم الجهالة عليه أصلًا.
وأمَّا دعوى الانقطاع فمدفوعةٌ عمَّن أخرج لهم البخاريُّ؛ لما عُلِمَ من شرطه، ولا نطيل بسرد أسمائهم وردِّ ما قِيل فيهم.