كقوله:«باب قول الرجل: ما صلَّينا»، فإنَّه أشار به إلى الرَّدِّ على من كره ذلك، وكثيرًا ما يترجم بأمرٍ يختصُّ ببعض الوقائع لا يظهر في بادئ الرَّأي؛ كقوله:«باب استياك الإمام بحضرة رعيَّتِه»؛ فإنَّه لمَّا كان الاستياك قد يُظَنُّ أنَّه من أفعال المهنة، فلعلَّ أن يُظَنَّ أنَّ إخفاءه أولى مراعاةً للمروءة، فلمَّا وقع في الحديث: أنَّه ﷺ استاك بحضرة الناس دلَّ على أنَّه من باب التَّطيُّب، لا من الباب الآخر، نبَّه على ذلك ابن دقيقٍ العيد. قال الحافظ ابن حجرٍ: ولم أرَ هذا في «البخاريِّ»، فكأنَّه ذكره على سبيل المثال.
وكثيرًا ما يترجم بلفظٍ يومئ إلى معنى حديثٍ لم يصحَّ على شرطه، أو يأتي بلفظ الحديث الذي لم يصح على شرطه صريحًا في التَّرجمة، ويورد في الباب ما يؤدِّي معناه تارةً بأمرٍ ظاهرٍ، وتارةً بأمرٍ خفيٍّ، من ذلك قوله:«باب الأمراء من قريش»، وهذا لفظ حديثٍ يُروَى عن عليٍّ، وليس على شرط البخاريِّ، وأورد فيه حديث:«لا يزال والٍ من قريش»(١)، وربَّما اكتفى أحيانًا بلفظ التَّرجمة التي هي لفظ حديثٍ لم يصحَّ على شرطه، وأورد معها أثرًا أو آيةً، فكأنَّه يقول: لم يصحَّ في الباب شيءٌ على شرطي، وللغفلة عن هذه المقاصد الدَّقيقة اعتقد مَن لم يمعن النَّظر أنَّه ترك الكتاب بلا تبييضٍ، وبالجملة؛ فتراجمه حيَّرت الأفكار، وأدهشت العقول والأبصار، ولقد أجاد القائل:
(١) هكذا ورد في الأصول، ولفظ البخاري: «لا يزال هذا الأمر في قريش» [خ: ٧١٤٠].