للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بظاهر قوله: «لا يصلِّينَّ أحدٌ» لأنَّ النُّزول معصيةٌ للأمر الخاصِّ بالإسراع، فخصُّوا عموم الأمر بالصَّلاة أوَّل وقتها بما إذا لم يكن عذرٌ بدليل أمرهم بذلك. (وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ نُصَلِّي) نظرًا إلى المعنى لا إلى ظاهر اللَّفظ (لَمْ يُرَِدْ مِنَّا ذَلِكَ) ببناء «يُرَد» للمفعول، كما ضبطه العينيُّ والبرماويُّ، وبالبناء للفاعل كما ضبطه في «المصابيح»، والخفضة مكشوطةٌ في الفرع، فعريت الرَّاء فيه عن الضَّبط، ولم يضبطها في «اليونينيَّة» (١)، والمعنى: أنَّ المرادَ من قوله: «لا يصلِّينَّ أحدٌ» لازمُه، وهو الاستعجال في الذَّهاب لبني قريظة، لا حقيقة ترك الصَّلاة، كأنَّه قال: صلُّوا في بني قريظة إلَّا أن يدرككم وقتها قبل أن تَصِلُوا إليها، فجمعوا بين دليلي وجوب الصَّلاة ووجوب الإسراع، فصلَّوا ركبانًا لأنَّهم لو نزلوا للصَّلاة لكان فيه مضادَّةٌ للأمر بالإسراع، وصلاة الرَّاكب مقتضيةٌ للإيماء، فطابق الحديث التَّرجمة، لكن عُورِض بأنَّهم لو تركوا الرُّكوع والسُّجود لخالفوا قوله تعالى: ﴿ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا﴾ [الحج: ٧٧] وأُجيب بأنَّه عامٌّ خُصَّ بدليلٍ، كما أنَّ الأمر بتأخير الصَّلاة إلى إتيان بني قريظة خُصَّ بما إذا لم يخش الفوات. والقول بأنَّهم صلَّوا ركبانًا، لابن المُنَيِّر، قال في «الفتح»: وفيه نظرٌ لأنَّه لم يصرِّح لهم بترك النُّزول، فلعلَّهم فهموا أنَّ المراد بأمرهم: «ألَّا يصلُّوا العصر إلَّا في بني قريظة» المبالغةُ في الأمر بالإسراع، فبادروا إلى امتثال أمره، وخصُّوا وقت الصَّلاة من ذلك لِما تقرَّر عندهم من تأكيد أمرها، فلا يمتنِع أن ينزِلوا فيصلُّوا، ولا يكونَ في ذلك مضادَّةٌ لِما أُمِروا به، ودعوى أنَّهم صلَّوا ركبانًا يحتاج إلى دليلٍ، ولم أره صريحًا في شيءٍ من طرق هذه القصَّة (٢). (فَذُكِرَ (٣) لِلنَّبِيِّ ، فَلَمْ يُعَنِّفْ وَاحِدًا) ولأبوي ذَرٍّ والوقت عن الحَمُّويي والكُشْمِيْهَنِيِّ والمُستملي: «أحدًا» (مِنْهُمْ) لا التَّاركين لأوَّل الوقت عملًا بظاهر النَّهي، ولا الَّذين فهموا أنَّه كنايةٌ عن العجلة، قال النَّوويُّ : لا احتجاج به على إصابة كلِّ مجتهدٍ لأنَّه لم يصرِّح بإصابتهما، بل ترك التَّعنيف، ولا خلاف أنَّ المجتهد لا يُعنَّف ولو أخطأ إذا بذل وسعه، قال: وأمَّا اختلافهم


(١) «ولم يضبطها في اليونينيَّة»: مثبتٌ من (ب) و (س).
(٢) قوله: «والقول: بأنَّهم صلَّوا ركبانًا؛ لابن المُنَيِّر … ولم أره صريحًا في شيءٍ من طرق هذه القصَّة» ليس في (م).
(٣) زيد في (س): «ذلك».

<<  <  ج: ص:  >  >>