للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

لكثرة اهتمامهم بما دهمهم من النَّوازل والشَّدائد، وشغل قلوبهم (١) بالفتن العظام- لا يدرون كيف تنقضي أيَّامهم ولياليهم، فإن قلت: العرب تستعمل قصر الأيَّام واللَّيالي في المسرَّات، وطولها في المكاره، أجيب بأنَّ المعنى الَّذي يذهبون إليه في القصر والطُّول مفارقٌ للمعنى الَّذي ذُهِبَ إليه هنا، فإنَّ ذلك راجعٌ إلى تمنِّي الإطالة للرَّخاء (٢)، أو إلى تمنِّي القصر للشِّدَّة (٣) والَّذي ذهب إليه ثَمَّ راجعٌ إلى زوال الإحساس بما يمرُّ عليهم من الزَّمان لشدَّة ما هم فيه، وذلك أيضًا صحيحٌ. نعم حمله الخطَّابيُّ على زمان المهديِّ لوقوع الأمن في الأرض، فيُستَلذُّ العيش عند ذلك لانبساط عدله، فتستقصر مدَّته لأنَّهم يستقصرون مدَّة أيَّام الرَّخاء وإن طالت، ويستطيلون أيَّام الشِّدَّة وإن قَصُر، وتعقَّبه الكِرمانيُّ بأنَّه لا يناسب أخواته من ظهور الفتن، وكثرة الهرج، وغيرهما (٤). قال في «الفتح»: وإنَّما احتاج الخطَّابيُّ إلى تأويله بما ذكر لأنَّه لم يقع نقصٌ في زمانه، وإلَّا فالَّذي تضمَّنه الحديث قد وجد في زماننا هذا، فإنَّا نجد من سرعة مرِّ الأيَّام ما لم نكن نجده (٥) في العصر الَّذي قبل عصرنا هذا، وإن لم يكن هناك عيشٌ مُسْتَلَذٌّ، والحقُّ أنَّ المراد نزع البركة من كلِّ شيءٍ حتَّى من الزَّمان، وذلك من علامة (٦) قرب السَّاعة، وحمله بعضهم على تقارب اللَّيل والنَّهار في عدم ازدياد السَّاعات وانتقاصها بأن يتساويا طولًا وقصرًا، قال أهل الهيئة: تنطبق دائرة منطقة البروج على دائرة معدَّل النَّهار، فحينئذٍ يلزم تساويهما ضرورةً (وَتَظْهَرَ الفِتَنُ) أي: تكثر وتُشْتَهَر (وَيَكْثُرَ الهَرْجُ) بفتح الهاء وإسكان الرَّاء وبالجيم (وَهْوَ القَتْلُ القَتْلُ) مرَّتين، وهو صريحٌ في أنَّ تفسير «الهَرْجِ» مرفوعٌ، ولا يُعارَض ذلك بمجيئه في رواية أخرى موقوفًا، وقد سبق الحديث في «كتاب العلم» [خ¦٨٥] من طريق سالم بن عبد الله بن عمر، سمعت أبا هريرة، وفي


(١) في (ص) و (م): «قلبهم».
(٢) في (د): «في الرَّخاء».
(٣) في (د): «في الشِّدَّة».
(٤) في (ص): «غيرها».
(٥) في (ب): «نجد».
(٦) في (ص): «علامات». وكذا في فتح الباري.

<<  <  ج: ص:  >  >>