للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الرُّحماء، إذا نزلوا بقرب قومٍ محتاجين ملهوفين، فقراء مستضعفين، لا نزول حركة وانتقالٍ لاستحالة ذلك على الله تعالى، فهو نزولٌ معنويٌّ. نعم يجوز حملُه على الحسِّيِّ، ويكون راجعًا إلى أفعاله لا إلى ذاته، بل (١) عبارة عن مَلَكِه الَّذي ينزل بأمره ونهيه، وقد حكى ابن فورك: أنَّ بعض المشايخ ضبطه بضمِّ الياء من «يَنْزل»، قال القرطبيُّ: وكذا قيَّده بعضهم فيكون معدًّى إلى مفعولٍ محذوفٍ، أي: يُنْزِلُ الله مَلَكًا، قال: ويدلُّ له رواية النَّسائيِّ: «إنَّ الله ﷿ يُمهِل حتَّى يمضيَ شطر اللَّيل الأوَّل (٢)، ثمَّ يأمر مناديًا يقول: هل من داعٍ فيُستجاب له؟ … » الحديث، وبهذا يرتفع الإشكال، قال الزَّركشيُّ: لكن روى ابن حبَّان في «صحيحه»: «ينزل الله إلى السَّماء فيقول: لا أسأل (٣) عن عبادي غيري»، وأجاب عنه في «المصابيح» بأنَّه لا يلزم من إنزاله الملَك أن يسأله عمَّا صنع العباد، ويجوز أن يكون الملَك مأمورًا بالمناداة، ولا يُسأل ألبتَّة عمَّا كان بعدها فهو أعلم بما كان وبما يكون، لا تخفى عليه خافيةٌ، وقوله: «» جملتان معترضتان بين الفعل وظرفه، وهو قوله: (كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا) لأنَّه لمَّا أسند ما لا يليق إسناده بالحقيقة؛ أتى بما يدلُّ على التَّنزيه (حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ) منه (٤)، بالرَّفع صفةٌ لـ «ثُلُثُ»، وتخصيصه بـ «اللَّيل» وبـ «الثُّلث الأخير» منه (٥) لأنَّه وقت التَّهجُّد وغفلة النَّاس عمَّن يتعرَّض لنفحات رحمة الله تعالى، وعند ذلك تكون النِّيَّة خالصةً، والرَّغبة إلى الله تعالى وافرةً، وذلك مظنَّة القَبول والإجابة، ولكن اختلفت الرِّوايات في تعيين الوقت على ستَّة أقوالٍ يأتي ذكرها إن شاء الله تعالى في «كتاب الدُّعاء» في «باب الدُّعاء نصف اللَّيل» [خ¦٦٣٢١] بعون الله. (يَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي


(١) زيد في (ب) و (س): «هو».
(٢) «الأوَّل»: ليس في (م).
(٣) في غير (د) و (س): «يسأل»، وهي رواية غير «صحيح ابن حبَّان».
(٤) «منه»: ليس في (م).
(٥) «الأخير منه»: ليس في (د).

<<  <  ج: ص:  >  >>