للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وإنَّما يهرب الشَّيطان من سماع الأذان، ويجيء عند الصَّلاة؛ لاتِّفاق الكلِّ على الإعلان بشهادة التَّوحيد وإقامة الشَّريعة، كما يفعل يوم عرفة؛ لِمَا روي (١) من اتِّفاق الكلِّ على شهادة التَّوحيد، وتنزُّل الرَّحمة، فييأس أن يردَّهم عمَّا أعلنوا به من ذلك، ويوقن بالخيبة بما تفضَّل الله به عليهم من ثواب ذلك؛ لئلَّا يسمعه ويذكر معصية الله ومضادَّته (٢) أمره، فلا يملك الحدث؛ لما حصل له من الخوف. انتهى. وقيل: لئلَّا يسمع الأذان، فيضطرَّ إلى أن يشهد له يوم القيامة؛ لقوله [خ¦٦٠٩]: «لا يسمع صوت المؤذِّن جنٌّ ولا إنسٌ ولا شيءٌ إلَّا شهد له يوم القيامة»، أو هو إبقاءٌ له على مخالفة أمر الله، واستمراره على معصيته وعدم الانقياد إليه، فإذا دعا داعي الله فرَّ منه، وأعرض عنه، فإذا حضرت الصَّلاة حضر مع المصلِّين غير مشاركٍ لهم في الصَّلاة، بل ساعيًا في إبطالها عليهم، وهذا أبلغ في المعصية ممَّا لو غاب عن الصَّلاة بالكلِّيَّة، فصار حضوره عند الصَّلاة من جنس هربه عند الأذان، قاله في «شرح التَّقريب» (فَإِذَا لَمْ يَدْرِ أَحَدُكُمْ كَمْ صَلَّى: ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا، فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ وَهْوَ جَالِسٌ) أي: قبل التَّسليم بعد أن يأخذ بالأقلِّ؛ لحديث أبي سعيدٍ الخدريِّ (٣) المرويِّ في «مسلمٍ»: «فليطرحِ الشَّكَّ وليَبْنِ على ما استيقن» فيحمل حديث أبي هريرة عليه، فيأتي بركعةٍ يتمُّ بها، قيل: ولا معنى للسُّجود، والأظهر: أنَّ له معنًى، وهو تردُّده، فإن كان المأتيُّ به زائدًا فالزِّيادة تقتضيه، وإلَّا فالتَّردُّد يضعف النِّيَّة، ويحوج (٤) إلى الجبر، ولا يقلِّد غيره وإن كثروا وراقبوه؛ لقوله في حديث أبي سعيدٍ المذكور: «وليَبْنِ على اليقين» ولأنَّه تردَّد في فعل نفسه، فلا يأخذ بقول غيره فيه، كالحاكم إذا حكم ونسي (٥) حكمه؛ لا يأخذ بقول الشُّهود عليه.


(١) في ابن بطال والكِرماني: «يروى».
(٢) في (ب) و (س): «مصادمة».
(٣) «الخدري»: سقط من (ص) و (م).
(٤) في (ص): «محوجٌ».
(٥) في (ص) و (م): «كالحاكم نسي».

<<  <  ج: ص:  >  >>