للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ليس موت الأولاد ولا عدمه سببًا لولوج أبيهم النَّار، وبيان ذلك -كما نبَّه عليه صاحب «مصابيح الجامع» - أنَّك تعمد إلى الفعل الَّذي هو غير موجبٍ، فتجعله موجبًا، وتُدخِل عليه «إنْ» الشَّرطيَّة، وتجعل الفاء وما بعدها مِن الفعل جوابًا، كما تقول في قوله تعالى: ﴿وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي﴾ [طه: ٨١] أي: أَنْ تطغوا فيه، فحلول الغضب حاصلٌ، وفي قوله: ما تأتينا فتحدِّثنا إن تأتنا، فالحديث واقعٌ، وهنا إذا قلت: إن يمت لمسلمٍ ثلاثةٌ من الولد، فولوج النَّار حاصلٌ لم يستقم، قال الطِّيبيُّ وكذا الشَّيخ أكمل الدِّين: فالفاء هنا بمعنى: «الواو» الَّتي للجمع، وتقديره: لا يجتمع لمسلمٍ موت ثلاثةٍ من أولاده وولوجه النَّار. انتهى. وأجاب ابن الحاجب والدَّمامينيُّ واللَّفظ له بأنَّه (١) يجوز النَّصب بعد الفاء الشَّبيهة بفاء السَّببيَّة بعد النَّفي مثلًا وإن لم تكن السَّببيَّة حاصلةً، كما قالوا في أحد وجهي ما تأتينا فتحدِّثنا: إنَّ النَّفي يكون راجعًا في الحقيقة إلى التَّحديث (٢) لا إلى الإتيان، أي: ما يكون منك إتيانٌ يعقبه حديثٌ، وإن حصل مطلق الإتيان، كذلك هنا، أي: لا يكون موت ثلاثةٍ من الولد، يعقبه ولوج النَّار، فيرجع (٣) النَّفيُ إلى القيد خاصَّةً، فيحصل المقصود ضرورة أن مسَّ النَّار إن لم يكن يعقب موت الأولاد، وجب دخول الجنَّة، إذ ليس بين النَّار والجنَّة منزلةٌ أخرى في الآخرة، ولم يقيِّد الأولاد في هذا الحديث كغيره، بكونهم لم يبلغوا الحنث، وحينئذٍ فيكون قوله في ما سبق: «لم يبلغوا الحنث»، لا مفهوم له كما مرَّ، وزاد في رواية غير الأربعة هنا «قال أبو عبد الله» أي: البخاريّ، مستشهدًا لتقليل مدَّة الدُّخول: «﴿وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا﴾» [مريم: ٧١] داخلها دخول جوازٍ لا دخول عقابٍ، يمرُّ بها المؤمن وهي خامدةٌ (٤) وتنهار بغيرهم، روى النَّسائيُّ والحاكم من حديث جابرٍ مرفوعًا: «الورود: الدُّخول، لا يبقَ برٌّ ولا فاجرٌ إلَّا دخلها، فتكون على المؤمنين (٥) بردًا وسلامًا»، وقيل: ورودها: الجواز


(١) في (م): «و».
(٢) في غير (س): «الحديث»، ولعلَّ المثبت هو الصَّواب.
(٣) في (ب) و (د): «فرجع».
(٤) في غير (د) و (س): «خادمة»، وهو تحريفٌ.
(٥) في (ب) و (س): «المؤمن».

<<  <  ج: ص:  >  >>