للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

من تلك الرَّدَّة وخشونتها (فَقَالَ) لها : (إِنَّمَا الصَّبْرُ) الكامل (عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأُولَى) الواردة على القلب، أي: دعي الاعتذار؛ فإنَّ من شيمتي ألَّا أغضب إلَّا لله، وانظري إلى تفويتك من نفسك الجزيل من الثَّواب بالجزع، وعدم الصَّبر أوَّل فجأة المصيبة، فاغتفر لها تلك الجفوة، لصدورها عنها في حال مصيبتها وعدم معرفتها به، وبيَّن (١) لها أنَّ حقَّ هذا الصَّبر أن يكون في أوَّل الحال، فهو الَّذي يترتَّب عليه الثَّواب بخلاف ما بعد ذلك، فإنَّه على طول الأيَّام يسلو كما يقع لكثيرٍ من أهل المصائب، بخلاف أوَّل وقوع المصيبة، فإنَّه يصدم القلب بغتةً، وقد قيل: إنَّ المرء لا يؤجر على المصيبة؛ لأنَّها ليست من صنعه، وإنَّما يؤجر على حسن نيَّته، وجميل صبره، ومبحث ذلك يأتي إن شاء الله تعالى في موضعه، فإن قلت: من أين تؤخذ مطابقة الحديث للتَّرجمة؟ أُجِيبَ: من حيث إنَّه لم ينه المرأة المذكورة عن زيارة قبر ميِّتها، وإنَّما أمرها بالصَّبر والتَّقوى؛ لِمَا رأى من جزعها، فدلَّ على الجواز، واستُدِلَّ به على زيارة القبور، سواءٌ كان الزَّائر رجلًا أو امرأة، وسواءٌ كان المزور مسلمًا أو كافرًا، لعدم الاستفصال في ذلك، قال النَّوويُّ: وبالجواز قَطَع الجمهور، وقال صاحب «الحاوي» أي: الماورديُّ: لا تجوز زيارة قبر الكافر. وهو غلطٌ. انتهى. وحجَّة الماورديِّ قوله تعالى: ﴿وَلَا تَقُمْ عَلَىَ قَبْرِهِ﴾ [التوبة: ٨٤] وفي الاستدلال بذلك نظرٌ لا يخفى، وبالجملة: فتستحَبُّ زيارة قبور المسلمين للرِّجال؛ لحديث مسلمٍ: «كنت نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروها فإنَّها تذكِّر الآخرة»، وسُئِلَ مالكٌ عن زيارة القبور فقال: قد كان نهى عنه، ثمَّ أذن فيه، فلو فعل ذلك إنسانٌ ولم يقل إلَّا خيرًا؛ لم أرَ بذلك بأسًا، وعن طاوس: كانوا يستحبُّون ألَّا يتفرَّقوا عن الميِّت سبعة أيَّام؛ لأنَّهم يُفتنون ويحاسَبون في قبورهم سبعة أيَّامٍ، وتُكرهَ للنِّساء لجزعهنَّ (٢)، وأمَّا حديث أبي هريرة المرويُّ عند التِّرمذيِّ -وقال: حسنٌ صحيحٌ-: «لعن الله زوَّارات القبور»


(١) في (م): «تبيَّن».
(٢) في (ص): «لعجزهن».

<<  <  ج: ص:  >  >>