للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

مستفهمًا له (١): (ما وَجَبَتْ؟ قَالَ) : (هَذَا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ خَيْرًا فَوَجَبَتْ (٢) لَهُ الجَنَّةُ، وَهَذَا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ شَرًّا فَوَجَبَتْ لَهُ النَّارُ) والمراد بالوجوب: الثُّبوت، أو هو في صحَّة الوقوع كالشَّيء الواجب، والأصل أنَّه لا يجب على الله شيءٌ، بل الثَّواب فضله، والعقاب عدله، لا يُسأل عمَّا يفعل (٣) (أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللهِ فِي الأَرْضِ) ولفظه في «الشَّهادات» [خ¦٢٦٤٢]: «المؤمنون شهداء الله في الأرض»، فالمراد: المخاطبون بذلك من الصَّحابة ومن كان على صفتهم من الإيمان، فالمعتبر شهادة أهل الفضل والصِّدق (٤)، لا الفَسَقة؛ لأنَّهم قد يثنون على من يكون مثلهم، ولا من بيْنه وبين الميِّت عداوةٌ؛ لأنَّ شهادة العدوِّ لا تُقبَل، قاله الدَّاوديُّ، وقال المظهريُّ: ليس معنى قوله: «أنتم شهداء الله في الأرض» أي: الَّذي يقولونه في حقِّ شخصٍ يكون كذلك حتَّى يصير من يستحقُّ الجنَّة من أهل النَّار بقولهم، ولا العكس، بل معناه: أنَّ الَّذي أثنوا عليه خيرًا رأوه منه كان ذلك علامة كونه (٥) من أهل الجنَّة، وبالعكس، وتعقَّبه الطِّيبيُّ في «شرح المشكاة» بأنَّ قوله: «وجبت» -بعد ثناء الصَّحابة- حكمٌ عقَّبَ وصفًا مناسبًا، فأشعر بالعلِّيَّة، وكذا الوصف بقوله: «أنتم شهداء الله في الأرض»؛ لأنَّ الإضافة فيه للتَّشريف بأنَّهم بمنزلةٍ عاليةٍ عند الله، فهو كالتَّزكية من الرَّسول لأمَّته وإظهار عدالتهم بعد شهادتهم لصاحب الجنازة، فينبغي أن يكون لها أثرٌ ونفعٌ في حقِّه، قال: وإلى معنى هذا يومئ قوله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا﴾ [البقرة: ١٤٣]. انتهى. وقال النَّوويُّ: قال بعضهم: معنى الحديث: أنَّ الثَّناء بالخير لمن أثنى عليه أهل الفضل، وكان ذلك مطابقًا للواقع، فهو من أهل الجنَّة، وإن كان غير مطابقٍ فلا، وكذا عكسه، قال: والصَّحيح أنَّه على عمومه، وأنَّ من مات فألهم الله النَّاس الثَّناء عليه بخيرٍ كان دليلًا على أنَّه من أهل الجنَّة، سواءٌ كانت أفعاله تقتضي ذلك أم لا، فإنَّ الأعمال داخلةٌ تحت المشيئة، وهذا الإلهام يُستَدلُّ به على تعيينها، أو بهذا تظهر فائدة الثَّناء. انتهى.


(١) في (ب) و (س): «عن قوله».
(٢) في (م): «فوجب».
(٣) في غير (د) و (س): «يفعله».
(٤) «والصدق»: ليس في (د).
(٥) في (د): «لكونه».

<<  <  ج: ص:  >  >>