للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فغيره لا يطهِّرهم ولا يصلِّي عليهم فتكون صلاته سكنًا لهم (فَقَالَ عُمَرُ) بن الخطَّاب لأبي بكرٍ : (كَيْفَ تُقَاتِلُ النَّاسَ)؟! وفي حديث أنسٍ: أتريد أن تقاتل العرب (وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ : أُمِرْتُ) بضمِّ الهمزة مبنيًّا للمفعول، أي: أمرني الله (أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ) وكأنَّ عمر لم يستحضر من هذا الحديث إلَّا هذا القدر الذي ذكره، وإلَّا فقد وقع في حديث ولده عبد الله [خ¦٢٥] زيادة: «وأنَّ محمَّدًا رسول الله، ويقيموا الصَّلاة، ويؤتوا الزَّكاة». وفي رواية العلاء بن عبد الرحمن: «حتَّى يشهدوا أن لا إله إلَّا الله، ويؤمنوا بي وبما جئتُ به»، وهذا يعمُّ الشَّريعة كلَّها، ومقتضاه أنَّ من جحد شيئًا ممَّا جاء به ، ودُعِيَ إليه فامتنع، ونصب القتال، تجب مقاتلته وقتله إذا أصرَّ (فَمَنْ قَالَهَا) أي: كلمة التَّوحيد مع لوازمها (فَقَدْ عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ وَنَفْسَهُ) فلا يجوز هدر دمه واستباحة ماله بسببٍ من الأسباب (إِلَّا بِحَقِّهِ) أي: بحقِّ الإسلام: من قتل النَّفس المُحرَّمة، أو ترك الصَّلاة، أو منع الزَّكاة بتأويلٍ باطلٍ (وَحِسَابُهُ عَلَى اللهِ) تعالى فيما يسره، فيثيب المؤمن ويعاقب المنافق، فاحتجَّ عمر بظاهر ما استحضره ممَّا رواه من قبل أن ينظر إلى قوله: «إلَّا بحقِّه» ويتأمَّل شرائطه. (فَقَالَ) له أبو بكرٍ : (وَاللهِ لأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ) بتشديد الرَّاء، وقد تُخفَّف (بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ) أي: قال: أحدهما واجبٌ دون الآخر، أو منع من إعطاء الزَّكاة متأوِّلًا كما مرَّ (فَإِنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ المَالِ) كما أنَّ الصَّلاة حقُّ البدن، أي: فدخلت في قوله: «إلَّا بحقه»، فقد تضمَّنت عصمة دمٍ ومالٍ مُعلَّقةً باستيفاء شرائطها، والحكم المُعلَّق بشرطين لا يحصل بأحدهما والآخر معدومٌ، فكما لا تتناول العصمة من لم يؤدِّ حقَّ الصَّلاة، كذلك لا تتناول العصمة من لم يؤدِّ حقَّ الزَّكاة، وإذا لم تتناولهم العصمة بقوا (١) في عموم قوله [خ¦١٣٩٩]: «أُمِرت أن أقاتل النَّاس»، فوجب قتالهم حينئذٍ، وهذا من لطيف النَّظر أن يقلب المعترضُ على المستدلِّ دليلَه، فيكون أحقَّ به، ولذلك (٢) فعل أبو بكرٍ فسلَّم له عمر (٣)، وقاسه على الممتنع من الصَّلاة؛ لأنَّها كانت بالإجماع من (٤) رأي الصَّحابة، فردَّ المُختلفَ فيه إلى المُتَّفق عليه، فاجتمع في هذا الاحتجاج من عمر بالعموم ومن أبي بكرٍ بالقياس، فدلَّ على أنَّ


(١) في (د): «فهم».
(٢) في (د): «وكذا»، وفي مصابيح الجامع (وكذلك) ولعله الصواب.
(٣) قوله: «فكما لا تتناول العصمة من لم يؤدِّ حقَّ الصَّلاة … فعل أبو بكرٍ فسلَّم له عمر»، ليس في (ص) و (م).
(٤) في (د): «عن».

<<  <  ج: ص:  >  >>