للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أبي (عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ) بن الخطَّاب () أنَّه (قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ (١) : مَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَسْأَلُ النَّاسَ) أي: تكثُّرًا، وهو غنيٌّ (حَتَّى يَأْتِيَ يَوْمَ القِيَامَةِ لَيْسَ فِي وَجْهِهِ مُزْعَةُ لَحْمٍ) بل كلُّه عظمٌ، و «مُزْعَة»: بضمِّ الميم وسكون الزَّاي وفتح العين المهملة، وزاد في «القاموس»: كسر الميم، وحكى ابن التِّين: فتح الميم والزَّاي، القطعة من اللَّحم أو النُّتفة منه، وخصَّ الوجه لمشاكلة العقوبة في موضع الجناية من الأعضاء لكونه أذلَّ وجهه بالسُّؤال، أو أنَّه يأتي ساقط القدر والجاه، وقد يؤيِّده حديث مسعود بن عمرو عند الطَّبرانيِّ والبزَّار مرفوعًا: «لا يزال العبد يسأل، وهو غنيٌّ، حتَّى يَخْلَقَ وجهُه، فلا يكون له عند الله وجهٌ»، وقال التُّورِبِشْتِيُّ: قد عرَّفنا الله تعالى أنَّ الصُّور في الدَّار الآخرة تختلف باختلاف المعاني، قال الله تعالى: ﴿يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ﴾ [آل عمران: ١٠٦] فالذي يبذل وجهه لغير الله في الدُّنيا من غير بأسٍ وضرورةٍ، بل للتَّوسُّع والتَّكثُّر (٢) يصيبه شينٌ في وجهه بإذهاب اللَّحم عنه؛ ليظهر للنَّاس عنه صورة المعنى الذي خفي عليهم منه. انتهى. ولفظ «النَّاس» يعمُّ المسلم وغيره، فيُؤخَذ منه جوازُ سؤال غير المسلم، وكان بعض الصَّالحين إذا احتاج يسأل ذمِّيًّا لئلَّا يُعاقَب المسلم بسببه لو ردَّه (٣)، قاله ابن أبي جمرة، وظاهر قوله: «ما يزال الرَّجل يسأل … » إلى آخره، الوعيدُ لمن سأل سؤالًا كثيرًا، والمؤلِّف فهم أنَّه وعيدٌ لمن سأل تكثُّرًا، والفرق بينهما ظاهرٌ، فقد يسأل الرَّجل دائمًا وليس متكثِّرًا لدوام افتقاره واحتياجه، لكنَّ القواعد تبيِّن أنَّ المُتوعَّد هو السَّائل عن غنًى وكثرةٍ؛ لأنَّ سؤال الحاجة مباحٌ، وربَّما ارتفع عن هذه الدَّرجة، وعلى هذا نزَّل البخاريُّ الحديث، قاله في «المصابيح»، وسبقه إليه ابن المُنيِّر في «الحاشية». (وَقَالَ) : (إِنَّ الشَّمْسَ تَدْنُو) أي: تقرب (يَوْمَ القِيَامَةِ) فيسخن النَّاس من دنوِّها فيعرقون (حَتَّى يَبْلُغَ العَرَقُ نِصْفَ الأُذُنِ) فإن قلت: ما وجه اتِّصال قوله: «إنَّ الشَّمس … » إلى آخره بما سبق؟ أُجيب بأنَّ (٤) الشَّمس إذا دنت يكون أذاها لمن لا لحم له في


(١) في غير (م): «رسول الله»، والمثبت موافقٌ لما في «اليونينيَّة».
(٢) في (د): «والتَّكثير».
(٣) في (د): «لوروده»، وهو تحريفٌ.
(٤) في (د): «لأنَّ».

<<  <  ج: ص:  >  >>