أخرى؛ لتوقَّفت الأخرى على أخرى، ولزم التَّسلسل أو الدَّور، وهما مُحالان، وأمَّا معرفة الله تعالى فلأنَّها لو توقَّفت على النِّيَّة مع أنَّ النِّيَّة قصد المنويِّ بالقلب لزم أن يكون عارفًا بالله تعالى قبل معرفته، وهو مُحالٌ.
و «الأعمال»: جمع عملٍ، وهو حركة البدن بكلِّه أو بعضه، وربَّما أُطلِقَ على حركة النَّفس، فعلى هذا يُقال: العمل: إحداث أمرٍ، قولًا كان أو فعلًا، بالجارحة أو بالقلب، لكن الأسبق إلى الفهم الاختصاص بفعل الجارحة، لا نحو النِّيَّة، قاله ابن دقيقٍ العيد، قال: ورأيت بعض المتأخِّرين من أهل الخلاف خصَّه بما لا يكون قولًا، قال: وفيه نظرٌ، ولو خُصِّص بذلك لفظ الفعل لكان أقرب، من حيث استعمالهما متقابلين، فيُقال: الأقوال والأفعال، ولا تردُّد عندي في أنَّ الحديث يتناول الأقوال أيضًا. انتهى، وتعقَّبه صاحب «جمع العدَّة»: بأنَّه إن أراد بقوله: ولا تردَّد عندي في أنَّ الحديث يتناول الأقوال أيضًا، باعتبار افتقارها إلى النِّيَّة، بناءً على أنَّ المراد إنَّما صحَّة الأعمال؛ فممنوعٌ، بل الأذان والقراءة ونحوهما تتأدَّى بلا نِيَّةٍ. وإن أراد باعتبار أنَّه يُثاب على ما ينوي منها ويكون كاملًا فمُسلَّمٌ، لكنَّه مُخالِفٌ لما رجحه من تقدير الصِّحَّة.
فإن قلتَ: لِمَ عدل عن لفظ الأفعال إلى الأعمال؟ أجاب الخُوَيِّيُّ (١): بأنَّ الفعل هو الذي يكون زمانه يسيرًا ولم يتكرَّر؛ قال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ﴾ [الفيل: ١] ﴿وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ﴾ [إبراهيم: ٤٥] حيث كان إهلاكهم في زمانٍ يسيرٍ، ولم يتكرَّر، بخلاف العمل؛ فإنَّه الذي يوجد من الفاعل في زمان مديدٍ، بالاستمرار والتَّكرار، قال الله تعالى:
(١) كذا في (ب) و (س)، وفي (د) و (م): «الجوينيُّ»، وفي (ص): «الخوبي».