مرفوعًا:«إذا تكلَّم الله بالوحي أخذت السَّماء رجفةٌ أو رعدةٌ شديدةٌ من خوف الله تعالى، فإذا سمع أهل السَّماء بذلك صُعقوا وخرُّوا سجَّدًا، فيكون أوَّلهم يرفع رأسه جبريل، فيكلِّمه الله من وحيه بما أراد، فينتهي به إلى الملائكة، كلَّما مرَّ بسماءٍ سأله أهلها: ماذا قال ربُّنا؟ قال: الحقَّ. فينتهي به حيث أمره الله من السَّماء والأرض»، وروى ابن مردويه عن ابن مسعود مرفوعًا:«إذا تكلَّم الله بالوحي؛ يسمع أهل السَّماء صلصلةً كصلصلة السّلسلة على الصَّفوان فيفزعون»، وعند ابن أبي حاتمٍ عن العَوْفيِّ عن ابن عبَّاسٍ وقتادة أنَّهما فسَّرا آية ﴿إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ﴾ [سبأ: ٢٣] بابتداء إيحاء الله إلى محمَّدٍ ﷺ بعد الفترة التي كانت بينه وبين عيسى، وفي «كتاب العظمة» لأبي الشَّيخ عن وُهيب بن الورد قال: «بلغني أنَّ أقرب الخلق من الله تعالى إسرافيل، العرش على كاهله، فإذا نزل الوحي دُلِّي لوحٌ من تحت العرش، فيقرع جبهة إسرافيل، فينظر فيه، فيدعو جبريل، فيرسله، فإذا كان يوم القيامة أُتِيَ به ترعد فرائصه، فيُقال: ما صنعت فيما أدَّى إليك اللَّوح؟ فيقول: بلَّغت جبريل، فيُدعَى جبريل ترعد فرائصه، فيُقال: ما صنعت فيما بلَّغك إسرافيل؟ فيقول: بلَّغت الرُّسل … » الأثر إلى آخره، على أنَّ العلم بكيفيَّة الوحي سرٌّ من الأسرار التي لا يدركها العقل، وسماع الملَك وغيره من الله تعالى ليس بحرفٍ أو صوتٍ، بل يخلق الله تعالى للسَّامع علمًا ضروريًّا، فكما أنَّ كلامه تعالى ليس من جنس كلام البشر، فسماعه الذي يخلقه لعبده ليس من جنس سماع الأصوات، وإنَّما كان هذا الضَّرب من الوحي أشدَّ على النَّبيِّ ﷺ من غيره؛ لأنَّه كان يُرَدُّ فيه من الطَّبائع البشريَّة إلى الأوضاع الملكيَّة، فيُوحَى إليه كما يُوحَى إلى الملائكة، كما ذُكِرَ في حديث أبي هريرة ﵁ وغيره، بخلاف الضَّرب الآخر