إليه ابن مالكٍ في «تحوَّل» وأخواته؛ لكان وجهًا، لكن قد يُقال: إنَّ معنى «يَتمثَّل»: يصير مثال رجلٍ، ومع التَّصريح بذلك يمتنع أن يكون «رجلًا» خبرًا له، فتأمَّله. انتهى، وقِيلَ: النَّصب على المفعوليَّة على تضمين «يتمثَّل» معنى يتَّخذ، أي: الملك رجلًا مثالًا، لكن قال العينيُّ: إنَّه بعيدٌ من جهة المعنى، والملائكة كما قال المتكلِّمون: أجسامٌ علويَّةٌ لطيفةٌ، تتشكَّل في أيِّ شيءٍ أرادوا، وزعم بعض الفلاسفة: أنَّها جواهر روحانيَّةٌ، والحقُّ: أنَّ تمثُّل الملك رجلًا ليس معناه أنَّ ذاته انقلبت رجلًا، بل معناه: أنَّه ظهر بتلك الصُّورة تأنيسًا لمن يخاطبه، والظَّاهر أنَّ القدر الزَّائد لا يفنى، بل يخفى على الرَّائي فقط، ولأبي الوقت:«يتمثَّل لي -أي: الملك- على مثال رجلٍ»(فَيُكَلِّمُنِي فَأَعِي مَا يَقُولُ) أي: الذي يقوله، فالعائد محذوفٌ، والفاء في الكلمتين للعطف المشير للتَّعقيب، وقد وقع التَّغاير بين قوله:«وقد وعيت» بلفظ الماضي، و «فأعي» بلفظ المضارع؛ لأنَّ الوعيَ في الأوَّل حصل قبل الفصم، ولا يُتصوَّر بعده، وفي الثَّاني في حالة المُكالمَة، ولا يُتصوَّر قبلها. أو أنَّه في الأوَّل قد تلبَّس بالصِّفات الملكيَّة، فإذا عاد إلى حالته الجبليَّة كان حافظًا لما قِيل له، فأخبر عن الماضي، بخلاف الثَّاني، فإنَّه على حالته المعهودة.
وليس المراد حصر الوحي في هاتين الحالتين، بل الغالب مجيئه عليهما، وأقسام الوحي: الرُّؤيا الصَّادقة، ونزول إسرافيل أوَّل البعثة (١)، كما ثبت في الطُّرق الصِّحاح أنَّه ﵊ وكِّل به إسرافيل، فكان يتراءى له ثلاث سنين، ويأتيه بالكلمة من الوحي والشَّيء، ثمَّ وكِّل به جبريل وكان يأتيه في صورة رجلٍ، وفي صورة دحية، وفي صورته التي خُلِقَ عليها مرَّتين، وفي صورة رجلٍ شديد بياض الثِّياب شديد سواد الشَّعر -وعُورِض: بأنَّ ظاهره أنَّه إنَّما جاء سائلًا عن شرائع الإسلام ولم يبلِّغ فيه وحيًا. انتهى- وفي مثل صلصلة الجرس، والوحي إليه فوق السَّماوات من فرض الصَّلاة وغيرها بلا واسطةٍ، وإلقاء الملك في روعه من غير أن يراه، واجتهاده ﵇، فإنَّه صوابٌ قطعًا، وهو قريبٌ من سابقه، إلَّا أنَّ هذا مُسبَّبٌ عن النَّظر والاجتهاد، لكن يعكِّر عليه أنَّ ظاهر كلام الأصوليِّين: أنَّ اجتهاده ﵊ والوحي قسمان، ومجيء ملك الجبال مبلِّغًا له