للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

منهم بالله وخاف على نفسه منهم، فبعث الله ملائكةً فحفُّوا بمكَّة (١) فوقفوا مكان الحرم، وذكر بعض أهل الكشف والمشاهدات أنَّهم يشاهدون تلك الأنوار واصلةً إلى حدود الحرم، فحدود الحرم موضع وقوف الملائكة، وقِيلَ: إنَّ الخليل لمَّا وضع الحجر الأسود في الرُّكن أضاء منه (٢) نورٌ وصل إلى أماكن الحدود، فجاءت الشَّياطين فوقفت عند الأعلام، فبناها الخليل حاجزًا، رواه مجاهدٌ عن ابن عبَّاسٍ، وعنه: أنَّ جبريل أرى إبراهيم موضع أنصاب الحرم فنصبها، ثمَّ جدَّدها إسماعيل ، ثمَّ جدَّدها قصيُّ بن كلابٍ، ثمَّ جدَّدها النَّبيُّ ، فلمَّا ولِّي عمر بعث أربعةً من قريشٍ فنصبوا أنصاب الحرم، ثمَّ جدَّدها معاوية ، ثمَّ عبد الملك بن مروان.

(وَقَوْلِهِ تَعَالَى) بالجرِّ عطفًا على سابقه المجرور بالإضافة: (﴿إِنَّمَا أُمِرْتُ﴾) أي: قل لهم يا محمد: إنَّما أُمِرْتُ (﴿أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ﴾) مكَّة (﴿الَّذِي حَرَّمَهَا﴾) لا يُسفَك فيها دمٌ حرامٌ ولا يُظلَم فيها أحدٌ، ولا يُهاج صيدُها ولا يُختلَى خَلَاها، وتخصيص مكَّة بهذه الأوصاف تشريفٌ لها وتعظيمٌ لشأنها، و ﴿الَّذِي﴾: بالذَّال، في موضع نصبٍ نعتٌ لـ ﴿رَبَّ﴾ (﴿وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ﴾) البلدة وغيرها خلقًا وملكًا (﴿وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ [النمل: ٩١]) المنقادين الثَّابتين على الإسلام، ووجه تعلُّق هذه الآية بالتَّرجمة: من حيث إنَّه اختصَّها من بين جميع البلاد بإضافة اسمه إليها لأنَّها أحبُّ بلاده إليه وأكرمها عليه وموطن نبيِّه ومهبط وحيه.

(وَقَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ) بالجرِّ عطفًا على السَّابق: (﴿أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا آمِنًا﴾) أولم نجعل مكانهم حرمًا ذا أمنٍ بحرمة البيت الذي فيه؟ (﴿يُجْبَى إِلَيْه﴾) يُحمَل إليه ويُجمَع فيه (﴿ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِن لَّدُنَّا﴾) مصدرٌ من معنى «يُجبَى» لأنَّه في معنى يُرزَق، أو مفعولٌ له، أو حالٌ بمعنى مرزوقًا من ثمراتٍ، وجاز لتخصيصها بالإضافة، أي: إذا كان هذا حالهم وهم عبدة الأصنام فكيف يعترضهم التَّخوُّف والتَّخطُّف إذا ضمُّوا إلى حرمة البيت حرمة التَّوحيد (﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [القصص: ٥٧]) جهلةٌ لا يتفكَّرون (٣) هذه النِّعم التي خُصُّوا بها، وروى النَّسائيُّ أنَّ


(١) قوله: «ليقربوا منها، فاستعاذ منهم بالله وخاف … ملائكةً فحفُّوا بمكَّة» ليس في (م).
(٢) في (ب) و (س): «له».
(٣) في (د): «لا يعلمون».

<<  <  ج: ص:  >  >>