للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

نائبٍ عن (١) الفاعل، أي: أَمَرَ رسولُ الله النَّاسَ أمر وجوبٍ أو ندبٍ إذا أرادوا سفرًا (أَنْ يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِمْ) طواف الوداع (بِالبَيْتِ) برفع «آخرُ»، اسم «كان»، والجارُّ والمجرور ومتعلِّقه: خبرها، ولأبي ذرٍّ: «آخرَ» بالنَّصب: خبرها، وقد روى هذا الحديثَ مسلمٌ عن سفيان أيضًا عن سليمان الأحول عن طاوسٍ، فصرَّح فيه بالرَّفع، ولفظه عن ابن عبَّاسٍ: كان النَّاس ينصرفون في كلٍّ وجهٍ، فقال رسول الله : «لا ينفرنَّ أحدٌ (٢) حتَّى يكون آخرُ عهده بالبيت» أي: الطَّواف به كما رواه أبو داود (إِلَّا أَنَّهُ خُفِّفَ عَنِ الحَائِضِ) فلم يجب عليها، واستُفيد الوجوب على غيرها مِنَ الأمر المُؤكَّد والتَّعبير في حقِّ الحائض بالتَّخفيف، والتَّخفيف لا يكون إلَّا من أمرٍ مُؤكَّدٍ، قال في «فتح القدير»: لا يُقال: أمرُ ندبٍ بقرينة المعنى وهو أنَّ المقصود الوداع لأنَّا نقول: ليس هذا يصلح صارفًا عن الوجوب لجواز أن يُطلَب حتمًا لِما في عدمه من شائبة عدم التَّأسُّف على الفراق وعدم المبالاة به، على أنَّ معنى الوداع ليس مذكورًا في النُّصوص، بل أن يُجعَل آخرُ عهدهم بالطَّواف، فيجوز أن يكون معلولًا (٣) بغيره ممَّا لم نقف (٤) عليه، ولو سَلِمَ فإنَّما تُعتبَر (٥) دلالة القرينة إذا لم يقم منها ما يقتضي خلاف مقتضاها، وهنا كذلك، فإنَّ لفظ التَّرخيص يفيد أنَّه حتمٌ في حقِّ من لم يُرخَّص له لأنَّ معنى عدم التَّرخيص في الشَّيء هو تحتيمُ طلبه؛ إذ التَّرخيص فيه هو إطلاق تركه، فعدمُه عدمُ إطلاق تركه، ولا وداع على مريد الإقامة وإن أراد السَّفر بعده، قاله الإمام، ولا على مريد السَّفر قبل فراغ الأعمال، ولا على المقيم بمكَّة الخارج للتَّنعيم ونحوه لأنَّه أمر عبد الرَّحمن أخا عائشة بأن يعمرها من التَّنعيم ولم يأمرها بوداعٍ، فلو نفر من منًى ولم يطف للوداع جُبِر بدمٍ لتركه نسكًا واجبًا، ولو أراد الرُّجوع إلى بلده من منًى لزمه طواف الوداع


(١) «عن»: مثبتٌ من (ص).
(٢) في غير (د): «أحدُكم»، والمثبت موافقٌ لما في «صحيح مسلمٍ».
(٣) في (ب): «معلومًا»، وهو تحريفٌ.
(٤) في (د): «ممَّا لا توقُّف».
(٥) في (ب) و (س): «نعتبر».

<<  <  ج: ص:  >  >>