للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

سبيل التَّرقِّي؛ فضَّل أوَّلًا جوده مطلقًا على جود النَّاس كلِّهم، ثمَّ فضَّل ثانيًا جُودَ كونه في رمضان على جوده في سائر أوقاته، ثمَّ فضَّل ثالثًا جوده في ليالي رمضان عند لقاء جبريل على جوده في رمضانَ مُطلَقًا، ثمَّ شبَّه جوده بالرِّيح المُرسَلة فقال: (فَلَرَسُولُ اللهِ ) بالرَّفع: مبتدأٌ، خبره قوله: (أَجْوَدُ بِالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ) أي: المُطلَقة، إشارة إلى أنَّه في الإسراع بالجود أسرع من الرِّيح، وعبَّر بـ «المُرسَلة» إشارة إلى دوام هبوبها بالرَّحمة، وإلى عموم النَّفع بجوده ، كما تعمُّ الرِّيح المرسلة جميع ما تهبُّ عليه، وفيه جواز المبالغة في التَّشبيه، وجواز تشبيه المعنويِّ بالمحسوس ليقرب لفهم سامعه؛ وذلك أنَّه أثبت له أوَّلًا وصف الأجوديَّة، ثمَّ أراد أن يصفه بأزيدَ من ذلك فشبَّه جوده بالرِّيح المُرسَلة، بل جعله أبلغ منها في ذلك؛ لأنَّ الرِّيح قد تسكن. وفيه استعمال «أفعل» التَّفضيل في الإسناد الحقيقيِّ والمجازيِّ؛ لأنَّ الجود منه حقيقةٌ، ومن الرِّيح مجازٌ، فكأنَّه استعار للرِّيح جودًا باعتبار مجيئها بالخير، فأنزلها منزلة مَنْ جاد. وفي تقديم معمول «أجود» على المفضَّل عليه نكتةٌ لطيفةٌ؛ وهي أنَّه لو أخَّره لَظُنَّ تعلُّقه بالمُرسَلَة، وهذا وإن كان لا يتغيَّر به المعنى المُرَاد من الوصف بالأجوديَّة، إلَّا أنَّه تفوت فيه المبالغة؛ لأنَّ المراد وصفه بزيادة الأجوديَّة على الرِّيح مُطلَقًا، والفاء في «فَلَرسول الله » للسَّببيَّة، واللَّام: للابتداء، وزِيدَت على المبتدأ تأكيدًا، أو هي جواب قسمٍ مقدَّرٍ، وحكمة المدارسة؛ ليكون ذلك سنَّةً في عرض القرآن على مَنْ هو أحفظ منه، والاجتماع عليه والإكثار منه، وقال الكِرمانيُّ: لتجويد لفظه، وقال غيره: لتجويد حفظه، وتُعقِّب: بأنَّ الحفظ كان حاصلًا له، والزِّيادة فيه تحصل ببعض المجالس.

وفي هذا الحديث: التَّحديث والإخبار والعنعنة والتَّحويل، وفيه عددٌ من المراوزة، وأخرجه المؤلِّف أيضًا في «صفة النَّبيِّ » [خ¦٣٥٥٤] و «فضائل القرآن» [خ¦٤٩٩٧] و «بدء الخلق» [خ¦٣٢٢٠]، ومسلمٌ في «الفضائل النَّبويَّة».

<<  <  ج: ص:  >  >>