فلمَّا أجلاهم المسلمون عنها دخلوا بلاد الرُّوم واستوطنوها، فاختلطت أنسابهم، وعند ابن السَّكن:«وعنده بطارقته والقِسِّيسون والرُّهبان»(ثُمَّ دَعَاهُمْ) عطفٌ على قوله: «فدعاهم»، وليس بتكرارٍ، بل معناه: أَمَرَ بإحضارهم، فلمَّا حضروا وقعت مهلةٌ ثمَّ استدناهم؛ كما أشعر بها الأداة الدَّالَّة عليها (وَدَعَا تَرْجُمَانَهُ) بالنَّصب على المفعوليَّة، وللأَصيليِّ -كما في «الفتح» - وأبي الوقت -كما في الفرع كأصله- وغيرهما:«بترجمانه»، ولأبي ذَرٍّ عن الحَمُّويي والمُستملي:«بالتَّرجُمان» بفتح المثنَّاة الفوقيَّة وضمِّ الجيم فيهما، وقد تُضَمُّ التَّاء فيهما إتباعًا، وهو في ضبط الأَصيليِّ، ويجوز فتحهما وضمُّ الأوَّل وفتح الثَّاني، وهو المفسِّر لغةً بلغةٍ؛ يعني: أرسل إليه رسولًا أحضره بصحبته، أو كان حاضرًا واقفًا في المجلس؛ كما جرت به عادة ملوك الأعاجم، ثمَّ أمره بالجلوس إلى جنب أبي سفيانَ؛ ليعبِّر عنه بما أراد، ولم يسمِّ التَّرجمان، ثمَّ قال هِرَقْلُ للتَّرجمان: قل له: أيُّكم أقرب؟ (فَقَالَ) التَّرجمان: (أَيُّكُمْ أَقْرَبُ نَسَبًا بِهَذَا الرَّجُلِ) ضمَّن «أقرب» معنى: «أقعد»، فعدَّاه بالباء، وعند «مسلمٍ» كالمؤلِّف في «آل عمران»: «من هذا الرَّجل؟»[خ¦٤٥٥٣] وهو على الأصل، وفي «الجهاد»: «إلى هذا الرَّجل»[خ¦٢٩٤١] ولا إشكالَ فيها؛ فإنَّ «أقرب» يتعدَّى بإلى، قال الله تعالى: ﴿وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ﴾ [ق: ١٦] والمُفضَّل عليه محذوفٌ، أي: من غيره، وزاد ابن السَّكن «الذي خرج بأرض العرب»(الَّذِي يَزْعُمُ) وعند ابن إسحاق عن الزُّهريِّ: يدَّعي (أَنَّهُ نَبِيٌّ؟ فَقَالَ:) بالفاء، ولأبي الوقت وابن عساكرَ والأَصيليِّ «قال»(أَبُو سُفْيَانَ: قُلْتُ:) وفي روايةٍ -كما في «اليونينيَّة» - بغير رقمٍ:«فقلت» بزيادة الفاء: (أَنَا أَقْرَبُهُمْ نَسَبًا) وللأَصيليِّ كما في الفرع كأصله: «أنا أقربهم به نسبًا» أي: من حيث النَّسب، وأقربيَّة أبي سفيانَ لكونه من بني عبد منافٍ، وهو الأب الرَّابع للنَّبيِّ ﷺ ولأبي سفيان، وخصَّ هِرَقْلُ الأقربَ لكونه أحرى بالاطِّلاع على ظاهره وباطنه أكثر من غيره، ولأنَّ الأبعدَ لا يُؤمَن أن يقدح في نسبه، بخلاف الأقرب، لكن قد يُقال: إنَّ القريب مُتَّهمٌ في الإخبار عن نسب قريبه بما يقتضي شرفًا وفخرًا ولو