للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

والأحكام كلِّها هو الله تعالى، والأنبياء يبلِّغونها، ثمَّ إنَّها كما تُضاف إلى الله من حيث إنَّه الحاكم بها تُضاف إلى الرُّسل لأنَّها تُسمَع منهم وتظهر على لسانهم، فلعلَّه لمَّا رُفِع البيت المعمور إلى السَّماء وقت الطَّوفان اندرست حرمتها وصارت شريعةً متروكةً منسيَّةً، إلى أن أحياها إبراهيم ، فرفع قواعد البيت ودعا النَّاس إلى حجِّه، وحدَّ الحرم وبيَّن حرمته، ثمَّ بيَّن التَّحريم بقوله: (فَلَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ) قال ابن دقيق العيد: هذا الكلام من باب خطاب التَّهييج، وأنَّ مقتضاه أنَّ استحلال هذا المنهيِّ عنه لا يليق بمن يؤمن بالله واليوم الآخر، بل ينافيه، فهذا هو المقتضي لذكر هذا الوصف، لا أنَّ (١) الكفَّار ليسوا مخاطبين بفروع الشَّريعة، ولو قِيل: لا يحلُّ لأحدٍ مطلقًا لم يحصل منه (٢) الغرض، وخطاب التَّهييج معلومٌ عند علماء البيان (٣)، ومنه قوله تعالى: ﴿وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ [المائدة: ٢٣] إلى غير ذلك (أَنْ يَسْفُِكَ بِهَا) (٤) بكسر الفاء، ويجوز ضمُّها، أي: أن يصيب بمكَّة (دَمًا) بالقتل الحرام (وَلَا يَعْضُدَ) بضمِّ الضَّاد، ولأبي ذرٍّ: «ولا يعضِد» بكسرها، أي: لا يقطع (بِهَا) أي: في مكَّة (شَجَرَةً) وفي رواية عمر (٥) بن شبَّة: «ولا يخضد» بالخاء المعجمة بدل العين المهملة، وهو يرجع إلى معنى العضد لأنَّ الخضد: الكسرُ، ويُستعمَل في القطع، وكلمة: «لا» في: «ولا يعضد» زائدةٌ لتأكيد النَّفي، ويُؤخَذ منه: حرمة قطع شجر الحرم الرَّطب غير المؤذي، مباحًا أو مملوكًا، حتَّى ما يُستنبَت منه، وإذا حَرُم القطع فالقلع أَولى، وقِيس بمكَّة باقي الحرم (فَإِنْ أَحَدٌ تَرَخَّصَ) بوزن «تفعَّل» من الرُّخصة، و «أحدٌ»: مرفوعٌ بفعلٍ مُضمَرٍ يفسِّره ما بعده؛ أي فإن ترخَّص أحدٌ (لِقِتَالِ رَسُولِ اللهِ ) متعلِّقٌ بقوله: ترخَّص، أي: لأجل قتال رسول الله (٦) أي: مستدلًّا به (فَقُولُوا لَهُ: إِنَّ اللهَ) ﷿ (أَذِنَ لِرَسُولِهِ ) خصوصيَّةً له (وَلَمْ يَأْذَنْ لَكُمْ، وَإِنَّمَا


(١) في (د): «لأنَّ».
(٢) في (د) و (م): «فيه».
(٣) في (د): «العلماء البيانيِّين».
(٤) زيد في (م): «أي مكَّة».
(٥) في (ب): «عمرو»، وفي (ص) و (م) و (ج): «معمر»، والمثبت موافقٌ لما في «الفتح».
(٦) قوله: «متعلِّقٌ بقوله: ترخَّص، أي: لأجل قتال رسول الله » سقط من (د).

<<  <  ج: ص:  >  >>