للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

إلى غير جدارٍ، فدخلت في الصَّفِّ وأرسلت الأتان ترتع، ومنًى من الحرم، وكذا يجوز قطعه للبهائم والتَّداوي كالحنظل، ولا يقطع لذلك إلَّا بقدر الحاجة كما قاله ابن كجٍّ، ولا يجوز قطعه للبيع ممَّن يعلف به -كما في «المجموع» - لأنَّه كالطَّعام الذي أُبيح أكله لا يجوز بيعه.

(وَلَا يُعْضَدُ) أي: لا يُقطَع (شَجَرُهَا، وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا) أي: لا يجوز لمحرمٍ ولا حلالٍ، فلو نفَّر من الحرم صيدًا فهو من ضمانه وإن لم يقصد تنفيره كأن عثر فهلك بتعثُّره، أو أخذه سبعٌ أو انصدم بشجرةٍ أو جبلٍ، ويمتدُّ ضمانه حتَّى يسكن على عادته، لا إن هلك قبل سكونه بآفةٍ سماويَّةٍ لأنَّه لم يُتلَف في يده ولا بسببه، ولا إن هلك بعده مطلقًا (وَلَا تُلْتَقَطُ) بضمِّ أوَّله (لُقَطَتُهَا) بفتح القاف في الفرع، وهو الذي يقوله المحدِّثون، قال القرطبيُّ: وهو غلطٌ عند أهل اللِّسان لأنَّه بالسُّكون: ما يُلتقَط، وبالفتح: الأخذ، وقال في «القاموس»: واللَّقَطُ مُحرَّكةً، وكحُزْمةٍ وهُمَزةٍ وثُمَامةٍ: ما التُقِط، وقال النَّوويُّ: اللُّغة المشهورة: فتحها، أي: لا يجوز التقاطها (إِلَّا لِمُعَرِّفٍ) يعرِّفها، ثمَّ يحفظها لمالكها ولا يتملَّكها كسائر اللُّقطات في غيرها من البلاد، فالمعنى: عرِّفها ليتعرَّف (١) مالكها فيردَّها إليه، فكأنَّه يقول: إلَّا لمُجرَّد التَّعريف.

(وَقَالَ العَبَّاسُ) بن عبد المطَّلب: (يَا رَسُولَ اللهِ إِلَّا الإِذْخِرَ) بالهمزة المكسورة والذَّال السَّاكنة والخاء المكسورة المعجمتين: نبتٌ معروفٌ طيِّب الرَّائحة، وهو حَلْفاء مكة، فإنَّه (لِصَاغَتِنَا) جمع صائغٍ (وَقُبُورِنَا) نمهِّدها به ونسدُّ به فُرَجَ اللَّحد المتخلِّلة بين اللَّبنات، والمستثنى منه قوله: «لا يُختلَى خلاها» أي: ليكن هذا استثناءً من كلامك يا رسول الله، فيتعلَّق به من يرى انتظام الكلام من متكلِّمين، لكنَّ التَّحقيق في المسألة: أنَّ كلًّا من المتكلِّمين إذا كان ناويًا لما يلفظ به الآخر كان كلٌّ متكلِّمًا بكلامٍ تامٍّ، ولذا لم يكتف بقول العبَّاس: «إلَّا الإذخر»، بل (فَقَالَ) (٢) هو أيضًا: (إِلَّا الإِذْخِرَُ) إمَّا بوحيٍ بواسطة جبريل نزل بذلك في طرفة عينٍ، واعتقاد أنَّ نزول جبريل يحتاج إلى أمدٍ متَّسعٍ وهمٌ وزللٌ، أو أنَّ الله نفث في روعه، وبهذا يندفع ما قاله المُهلَّب: إنَّ ما ذُكِر في الحديث من تحريمه لأنَّه لو كان من تحريم الله ما استُبيح منه إذخرٌ ولا غيره، ولا ريب أنَّ كلَّ تحريمٍ وتحليلٍ فإلى الله حقيقةً،


(١) في (د): «ليُعَرف».
(٢) في غير (د): «قال»، والمثبت موافقٌ لما في «اليونينيَّة».

<<  <  ج: ص:  >  >>