للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بإحاطة الخفِّ عليه، ولا حاجة حينئذٍ إلى مخالفة ما جزم به أهل اللُّغة. انتهى. وهل إذا لبسه والحالة هذه تلزمه الفدية؟ قال الشَّافعيَّة: لا تلزمه الفدية، وقال الحنفيَّة: عليه الفدية، وقال الحنابلة: لا يقطعهما لأنَّه إضاعة مالٍ ولا فدية عليه، قال المرداويُّ في «الإنصاف»: وهذا هو المذهب، نصَّ عليه أحمد في رواية الجماعة، وعليه الأصحاب، وهو من المفردات، وعنه: إن لم يقطع إلى دون الكعبين فعليه الفدية، وقال الخطَّابيُّ: العجب من الإمام أحمد في هذا -يعني: في قوله: بعدم القطع- لأنَّه لا يكاد يخالف سنَّةً تبلغه، قال الزَّركشيُّ الحنبليُّ: العجب كلُّ العجب من الخطَّابيِّ في توهُّمه عن أحمد مخالفة السُّنَّة أو خفاءها، وقد قال المروزيُّ: احتججت (١) على أبي عبد الله بقول ابن عمر عن النَّبيِّ : «وليقطع أسفل الكعبين»، فقال: هذا حديثٌ وذاك حديثٌ، فقد اطَّلع على السُّنَّة، وإنَّما نظر نظرًا لا ينظره إلَّا الفقهاء المتبصِّرون، وهذا يدلُّ على غايةٍ من الفقه والنَّظر. انتهى. واشترط الجمهور قطع الخفِّ حملًا للمُطلَق على المُقيَّد في حديث ابن عمر السَّابق، وقد ورد في بعض طرق حديث ابن عبَّاسٍ الصَّحيحة موافقته لحديث ابن عمر في قطع الخفَّين، رواه النَّسائيُّ في «سننه»، قال: أخبرنا إسماعيل بن مسعودٍ: حدَّثنا يزيد بن زُريعٍ: حدَّثنا أيُّوب، عن عمرٍو، عن جابر بن زيدٍ، عن ابن عبَّاسٍ، قال: سمعت رسول الله (٢) يقول: «إذا لم يجد إزارًا فليلبس السَّراويل، وإذا لم يجد النَّعلين فليلبس الخفَّين، وليقطعهما أسفل من الكعبين» وهذا إسنادٌ (٣) صحيحٌ، وإسماعيل بن مسعودٍ وثَّقه أبو حاتمٍ وغيره، والزِّيادة من الثِّقة مقبولةٌ على الصَّحيح، وأمَّا احتجاج أصحاب أحمد: بأنَّ حديث ابن عبَّاسٍ ناسخٌ لحديث ابن عمر المصرِّح بقطعهما فلو سلَّمنا تأخُّر حديث ابن عبَّاسٍ وخلوَّه من (٤) الأمر بقطع الخفَّين لا يلزم منه الحكم بالنَّسخ مع إمكان الجمع، وحمل المُطلَق على المُقيَّد متعيِّنٌ، وقد قال ابن قدامة الحنبليُّ: الأَوْلى قطعهما عملًا بالحديث الصَّحيح وخروجًا من الخلاف. انتهى. وقد سبق أنَّه رُوِي عن أحمد أنَّه قال: إن لم يقطع إلى دون الكعبين فعليه الفدية.

(وَمَنْ لَمْ يَجِدْ إِزَارًا) هو ما يُشَدُّ في الوسط (فَلْيَلْبَسْ سَرَاوِيلَ) ولأبي ذرٍّ: «السَّراويل»


(١) في (د): «احتجَّيتُ».
(٢) في (د): «النَّبيَّ».
(٣) في (د): «إسناده».
(٤) في غير (ص) و (م): «عن».

<<  <  ج: ص:  >  >>