للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قوله: (مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الكَعْبَةِ، فَقَالَ) : (اقْتُلُوهُ) فقتله أبو برزة وشاركه فيه سعيد بن حُريثٍ، وقِيلَ: القاتل له سعيد بن ذُؤيبٍ، وقِيلَ: الزُّبير بن العوَّام، وكان قتله بين المقام وزمزم.

واستدلَّ به القاضي عياضٌ في «الشِّفاء» وغيره من المالكيَّة على قتل من آذى النَّبيَّ أو تنَّقصه ولا تُقبَل له توبةٌ لأنَّ ابن خَطَلٍ كان يقول الشِّعر يهجو به النَّبيَّ ، ويأمر جاريتيه أن تغنِّيا به، ولا دلالة في ذلك أصلًا لأنَّه إنَّما قُتِل ولم يُسْتَتَب للكفر والزِّيادة فيه بالأذى، مع ما اجتمع فيه من موجبات القتل، ولأنَّه اتَّخذ الأذى ديدنًا (١) فلم يتحتَّم أنَّ سبب قتله الذَّمُّ، فلا يُقاس عليه من فَرَطَ منه فرطةٌ، وقلنا بكفره بها وتاب ورجع إلى الإسلام، فالفرق واضحٌ، وفي كتابي «المواهب اللَّدنيَّة بالمنح المحمَّديَّة» مزيد بحثٍ لذلك، وإنَّما أمر بقتل ابن خَطَلٍ لأنَّه كان مسلمًا، فبعثه رسول الله مصدِّقًا وبعث معه رجلًا من الأنصار، وكان معه مولًى يخدمه وكان مسلمًا فنزل منزلًا فأمر المولى أن يذبح تيسًا ويصنع له طعامًا ونام، فاستيقظ ولم يصنع له شيئًا فعدا عليه فقتله، ثمَّ ارتدَّ مشركًا، وكانت له قَيْنَتَان تغنِّيان بهجاء رسول الله ، فكان ممَّن أهدر دمه يوم الفتح، قال الخطَّابيُّ: قتله بما جناه في الإسلام، وقال ابن عبد البرِّ: قَتَله قَوَدًا من دم المسلم الذي قتله (٢) ثمَّ ارتدَّ، واستدلَّ بقصَّته على جواز إقامة الحدود والقصاص في حرم مكَّة، وقال أبو حنيفة: لا يجوز، وتأوَّل الحديث: بأنَّه كان في السَّاعة التي أُبيحت له، وأجاب أصحابنا: بأنَّه إنَّما أُبيحت له ساعة الدُّخول حتَّى استولى عليها، وقتل ابن خطلٍ بعد ذلك، وتُعقِّب بما سبق: أنَّ الساعة التي أُحِلَّت له ما بين أوَّل النَّهار ودخول وقت العصر، وقتلُ ابن خطلٍ كان قبل ذلك قطعًا لأنَّه قيَّد في الحديث بأنَّه كان عند نزعه المغفر، وذلك عند استقراره بمكَّة، وحينئذٍ فلا يستقيم الجواب المذكور.

وهذا الحديث أخرجه البخاريُّ أيضًا في «اللِّباس» [خ¦٥٨٠٨] و «الجهاد» [خ¦٣٠٤٤] و «المغازي» [خ¦٤٢٨٦]، ومسلمٌ في «المناسك»، وأبو داود والتِّرمذيُّ وابن ماجه في «الجهاد»، والنَّسائيُّ في «الحجِّ».


(١) في (د): «دينًا».
(٢) زيد في (د): «بما جناه في الإسلام».

<<  <  ج: ص:  >  >>